مقالات

دوافع استمرار التصعيد الحوثي بالرغم من المخاطر المحتملة

يدرك الحوثيون اليوم بأنَّهم، مثل حزب الله وبشار الأسد، سيتحتم عليهم مواجهة أي تحرك عسكري إسرائيلي – أمريكي دون دعم من حليفتهم، إيران، التي فضلت التعامل مع الحرب الإقليمية بنهجي تمرير الصراع، وضبط النفس أمام التصعيد الإسرائيلي، باعتبارهما الخيارين الاستراتيجيين الأسلم لحفظ النظام في طهران -على الأقل حتى لحظة حيازة القنبلة النووية- التي تزعم تقارير غربية بأنَّها باتت وشيكة للغاية.

بالرغم من ذلك، لا يبدو أنَّ الجماعة التي امتلكت –إلى حد كبير– القدرة على شد حبال التصعيد خلال الفترة الماضية، قادرة اليوم على خفض شدة التوتر، أو إيقاف تسارع عجلته، سواء من طرفها أو طرف خصومها على حد سواء. وليس ذلك لحسم القرار في تل أبيب بحتمية أن يكون الحوثيون هم الهدف القادم، أو حتى لعودة ترامب، الذي يبدو أكثر استعدادًا لرفع الخطوط الحمراء عن التصعيد الإقليمي. ولكن -بالإضافة إلى ذلك- لاعتبارات تتعلق بمحدودية خيارات الجماعة داخليًّا في إدارة المشهد اليمني، في مناطق سيطرتها، وفي توازنها مع الحكومة في عدن، وكذا علاقتها مع إيران وموقعها في استراتيجية طهران الإقليمية.

المقاومة ورقة للهروب من الداخل إلى الخارج

حملت رئاسة بايدن -حتى انطلاق عمليات الحوثيين في البحر الأحمر- العديد من التبدلات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه اليمن، بما رجحّ كفة الحوثيين في ميزان القوة المحلي، وثبت موقفهم الإقليمي. فعلى الصعيدين العسكري والسياسي، كانت وقفة الولايات المتحدة الحازمة تجاه الضربات الجويّة السعودية، وما أسفر عنها من تعليق مبيعات الأسلحة للمملكة كفيلةً بإيقاف المعارك بدرجة كبيرة، سواء من جانب التحالف العربي أو الحكومة المتكئة عليه، إذ وجدا أنفسهما، وتحت ضغط أممي، أمام حتمية التهدئة والبحث عن المصالحة بأكبر قدر من التنازلات.

على الصعيد الاقتصادي، كانت الجماعة التي استولت في وقت سابق على جزء من احتياطيات البنك المركزي في صنعاء، وسيطرت على عمليات وإيرادات المؤسسات الوطنية في مناطقها، تتنفس الصعداء بإزالة تصنيف الجماعة الإرهابية عنها، ورفع القيود المفروضة على قياداتها وأرصدتها، وتزامن ذلك مع تغافل المجتمع الدولي -وبما يناقض اتفاقية ستوكهولم- عن سيطرة الحوثيين على موانئ البحر الأحمر اليمنية -باستثناء ميناء المخا- واستحواذهم على إيراداتها هي الأخرى.

إلا أنَّ فترة الرخاء لم تدم طويلًا، فبعد سنوات من التنصل من مسؤولياتهم تجاه القطاع المدني في مناطق سيطرتهم بحجة الحرب والتعرض لعدوان خارجي، وجد الحوثيون أنفسهم في مواجهة الشارع، الذي يشاهد الوفود السعودية تصل إلى صنعاء ويقرأ ويسمع ويرى أخبارًا عن تسويات سياسية محتملة، فبات -وبسقوط حجة الصراع- يطالب الحوثيين بتسليم الرواتب المنقطعة منذ اندلاع الحرب في 2015، وتحسين مستوى الخدمات شبه المنعدمة. وفي ظل تعنّت الجماعة، في المقام الأول، وعجزها الإداري، في المقام الثاني، بدا أنَّ صنعاء توشك على الانتفاض.

جاء الطوفان في 7 أكتوبر، وما تلاه من عدوان إسرائيلي ضد غزة، كطوق نجاة للحوثيين للهروب والتنصل من مسؤولياتهم الداخلية، وإعادة تصدير سردية التصدي للعدوان، إذ إنَّ أي مطالبة لطرف محلي بحقوق اقتصادية ومدنية مشروعة، أصبح الآن خيانة للأمة وقضيتها المركزية. وهكذا تضمن ديمومة الصراعات للحوثيين تثبيت نفوذهم في مناطق سيطرتهم العسكرية، وتطويع المدنيين فيها للقبول بسلطة الأمر الواقع.

بين سندان الثورة الداخلية المحتملة في حال السلام، ومطرقة الضربة الخارجية في حال استمرار التصعيد، يرى الحوثيون في الصراع الخارجي، أقل الضررين ومخرجًا اضطراريًّا للهروب من انهيار المشهد الداخلي.

المقاومة خيار قوي ضد الحكومة في حسابات التسويات القادمة

كان ذهاب الحوثيين، نحو الخيار العسكري، بالرغم من فرصة الشراكة الحقيقية التي مُنحت لهم بعد ثورة فبراير 2011، نتيجة لعدم إيمانهم بالشراكة السياسية والأطر الديمقراطية لتداول السلطة، واعتقادهم بأنَّ معادلة توازن القوة العسكرية قد تمنحهم حصة أكبر من السلطة بالمقارنة بتلك التي قد يظفروا بها من خلال صناديق الاقتراع، ويأتي ذلك لمولدات أيدلوجية وشعبيّة.

فالجماعة المبنية في نواتها الأساسية على قاعدة أيدولوجية، تؤمن بالتفاضل النوعي، ونظرية الإمام المطلق في الحكم -عبد الملك الحوثي- ما يبدد فكرة مشاركة السلطة، والتنافس السياسي في الأطر المؤسسية، عن أذهان وأجندة قيادات الجماعة. كما وعلى الصعيد الآخر، يعي الحوثيون أنَّهم -حتى وإن قبلوا الاحتكام لصناديق الاقتراع ونحوها من الآليات السلمية لتداول السلطة- لا يحظون بقبول شعبي لدى الشارع اليمني الذي يراهم انقلابًا على ثورة 26 سبتمبر، وانحرافًا عن النهج الزيدي المعتدل والمتعايش مع المذهب الشافعي السائد في البلد.

وبينما لم تزل معطيات المعادلة الشعبية متصاعدة لتبعات الحرب الأهلية، والقمع والاضطهاد الذي مارسته الجماعة، تظل فلسطين قضية تجمع عليها جميع ألوان الشعب اليمني. لهذا، وبانطلاقها بداية من اختطاف السفينة “جالاكسي ليدرز”، قُوبلت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر باستحسان عريض في الشارع المحلي -حتى في مناطق سيطرة الحكومة- وبدا أنَّ الجماعة قد نجحت، لأول مرة منذ تأسيسها في 1993، من الظفر بقبول شعبي، أو خفض حدة الكراهية تجاهها والحصول على أرضية مشتركة مع مخالفيها على أقل تقدير.

وفي مقابل عدم رجحان ميزان القوة العسكرية بين الحوثيين والحكومة بأطرافها المختلفة بصورة فارقة تحسم الصراع، أو تفرض اتجاهات معينة في التسويات السياسية، يكتسب العامل الشعبي أهمية مضاعفة في توازنات المفاوضات القادمة وموقف الحوثيين فيها، لاسيما في ظل السخط الجماهيري من الحكومة جراء الأوضاع المعيشية والخدمية المترديّة في المناطق المحررة، وموقفها الضعيف تجاه الحرب في غزة.

ولهذا، ليس من قبيل المبالغة أن يُقال إنَّ الحوثيين، وبموجب شعاراتهم الثورية وما اكتسبوه من قبول، باتوا ملزمين -وربما مضطرين- بالاستمرار في عمليات البحر الأحمر والضربات الصاروخية نحو الأراضي المحتلة، وهم في المقابل يستغلون الضربات الإسرائيلية لاكتساب مصداقية أكبر لدى الشارع اليمني والرد على المشككين فيهم.

الحرب أداة لتطويع الحلفاء الداخليين

بالمقارنة مع معسكر الحكومة المعترف بها دوليًّا، يبدو اصطفاف الحوثيين أكثر تماسكًا والتفافًا حول قيادة مركزية، لكن ليس بالضرورة أكثر تجانسًا. فيتكون قوام القوات المقاتلة مع الجماعة من نواة مركزية من الأتباع المؤطرين أيدلوجيًّا -من اليمنيين في غالبيتهم الساحقة بالإضافة إلى بعض المقاتلين الأجانب- تليها دائرة من العسكريين المنشقين عن الحكومة من أتباع صالح سابقًا، ثم العديد من الدوائر من المكونات المرتبطة بالمركز إما بالخوف أو الإغراء أو التقاء المصالح، ويشكّل هؤلاء، مع عدم وجود إحصاءات مؤكدة، ما بين 50% – 60% من مقاتلي الجماعة.

على الصعيد الأول، عمد الحوثيون إلى التجنيد الإجباري -بما في ذلك تجنيد الأطفال- في مناطق سيطرتهم، باستخدام أداتي التخويف والتجويع، فانضمت إليهم تباعًا مجاميع من المقاتلين فزعًا من العقوبة، أو رغبة في الحصول على مصدر دخل في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وانقطاع المرتبات. كما استطاعت الجماعة إغراء مكونات قبلية بالقتال معها مقابل الظفر بغنائم الحرب من خزانة الدولة ومرافقها الإيرادية، أو حتى الاستحواذ على ممتلكات الخصوم السياسيين. وفي منحى آخر، اختارت قبائل واسعة في شمال اليمن التحالف مع الحوثيين نكاية أو انتقامًا من قبائل معادية اصطفت مع الحكومة.

في ظل الاصطفاف غير المتجانس، يدرك الحوثيون أن توقف الحرب يعني فقدانهم لأكثر من نصف قوتهم العسكرية. وبأخذ هذه النقطة وربطها بالنقاط السابقة، يُخلص إلى أنَّ الحوثيين صنعوا معادلة نفوذهم ونسجوا متغيراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على ثابت الحرب، ولذا يغدو تصعيدها ضمن أبعاد إقليمية ودولية -إلى حد كبير- ضرورة وجودية للجماعة واستمرار حضورها في المشهد اليمني بذات القوة.

ربما قد فات الأوان على مراجعة الحسابات

لا تتوانى حكومة نتنياهو في التصعيد ضد إيران وحلفائها الإقليميين، وتبدو مستعدة، على عكس ما جرت عليها استراتيجياتها السابقة، للذهاب في خياراتها العسكرية إلى أبعد الحدود. فبمراجعة الحروب التي خاضها جيش الاحتلال في العقد الماضي -سواء في غزة أو لبنان- ظلت عقيدته العسكرية تعتمد بشكل كبير على الحروب الخاطفة والتفوق الجوي.

لكن اليوم، وضمن عقيدة النصر الجديدة، يتبنى جيش الاحتلال الإسرائيلي خيارات عسكرية أوسع، فيخوض حربًا مطولة وعلى جبهات متعددة ويتبنى أسلوب العمليات المشتركة بين القوات الجوية والبرية، ليس في غزة وحسب، بل وفي لبنان ومؤخرًا في سوريا.

الحوثيون الذين في لحظة من اللحظات امتلكوا خيار التصعيد، يعلمون أنَّهم لم يعودوا الطرف المتحكم بدوران عجلته، ويدركون أيضًا، أنَّ إسرائيل، والولايات المتحدة من خلفها -لا سيما مع عودة ترامب- عازمون على تسديد ضربة موجعة إليهم. ما يترك الجماعة أمام خيار وحيد وهو الاستمرار في عملياتهم وخطابهم التعبوي، على الأقل لضمان تعاطف الداخل والإقليم معهم.

الحوثيون ليس لهم مركز ثقل كحزب الله وبشار الأسد

عامل إيجابي، على العكس من النظام السوري، وحتى حزب الله -الذي يشبههم في كونه لاعبًا غير دولتي- لا يمتلك الحوثيون مركز ثقل يمكن أن تمثل الهجمات عليه ضربة قاضية للجماعة. فعلى سبيل المثال، ثبت النظام السوري أركان حكمه في دمشق، وعلى ذات المنوال مثلت الضاحية الجنوبية مركز ثقل حزب الله والحاضنة الجغرافية لبنيته التحتية وقدراته العسكرية، عتادًا وتعدادًا. وبالنظر إلى الحوثيين، خرج مقاتلو الجماعة من محافظة صعدة شمال صنعاء، دون أن يكون لهم فيها أي مقرات قيادة أو مراكز لتصنيع السلاح وتخزينه أو حتى معسكرات تجنيد وتدريب بالمعنى المؤسسي الواسع. واعتمدت الجماعة في نموها على الاستيلاء على مراكز ومرافق ومقدرات الحكومة، أو تلك المملوكة للأطراف المعادية لها. وهكذا فإنَّ ضرب هذه الأهداف في الواقع هو ضربة أخرى للحكومة الفقيرة وإلى مكامن القوّة بشقيها المدني والعسكري تعمّق من الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين أكثر مما تضر بهم.

فعلى سبيل المثال، استهدفت الضربات الإسرائيلية أهدافًا كمطار صنعاء، ومينائي الحديدة والصليف ومعداتهما الأرضية والبحرية بالإضافة إلى مخازن شركة النفط اليمنية المخصصة لوقود المحطات الكهربائية التي تعرضت هي الأخرى للقصف. وبينما تستفيد الجماعة من هذه المنشآت اقتصاديًّا وعسكريًّا، لا تمثل الضربات عليها تهديدًا وجوديًّا لها.

الخيارات الإسرائيلية المحدودة في اليمن

في مقابل الحالتين اللبنانية والسورية، لا تحظى إسرائيل بذات المساحة والخيارات في إسقاط الحوثيين. الفاصل الجغرافي بين الأراضي المحتلة ومناطق سيطرة الجماعة في اليمن، يجعل التدخل البري -سواء الإسرائيلي أو الأمريكي- مستبعدًا، ويُبقي على بدائل الضربات الجوية والبحرية، التي ستكون بالتأكيد مؤلمة، ولكن غير كفيلة بتدمير الحوثيين، أو حتى إلحاق ضرر بليغ بهم.

العمليات النوعية، كاغتيال القادة -سواء بضربات جوية أو أساليب الحرب غير التقليدية- تستوجب حيازة معلومات استخباراتية دقيقة، ربما لا تتوفر لإسرائيل في اليمن بذات الجودة التي ظفرت بها في سوريا ولبنان، نظرًا لحداثة سن الجماعة بالمقارنة مع نظيريها السوري واللبناني، ولأنَّ اليمن ظل في العقود الماضية -رغم أهميته- أولوية ثانوية لدوائر صناعة القرار في واشنطن وتل أبيب وأجهزتهما الاستخباراتية.

بأخذ هذه المعطيات، ربما تعمد إسرائيل والولايات المتحدة إلى تركيز ضرباتها على البنى التحتية التي يعتمد عليها الحوثيون في عملياتهم، مثل مخازن الأسلحة، ومراكز تجميع المسيرات، ومعسكرات الجيش اليمني، بالإضافة إلى المنشآت المدنية -كالموانئ والمطارات- التي عسكرها الحوثيون، ما قد يسهم في الحد من قدراتهم الهجومية، لكن دون أن تؤدي إلى تعطيلها بالكلية.

خيار آخر قد تلجأ إليه واشنطن المؤثرة في المشهد اليمني، يتمثل في الدفع بمكون محلي ضمن الحكومة المعترف بها دوليًّا، ودعمه للقيام بعمليات بريّة ضد الحوثيين في مناطق سيطرتهم الطرفية المحادة لمناطق الحكومة -تعز والساحل الغربي- ومحاولة حصرهم في المرتفعات الشمالية والشمالية الغربية لليمن، بما يضمن عمقًا استراتيجيًّا في البحر الأحمر، ومحيط باب المندب، وهو الملف المركزي والأولوية المتصدرة في الحالة اليمنية.

وبالعودة إلى النقطة السابقة حول بنية القوات المقاتلة مع الحوثيين، من الوارد اللجوء إلى محاولة هندسة انقلاب للمكونات القبلية على الجماعة، إما بالترضية السياسية للقبائل الساخطة على الحكومة وحلفائها القبليين، أو باستخدام التهديد والترغيب لتلك التي تحالفت مع الحوثيين لأسباب وجودية أو اقتصادية ومادية.

إيران تضغط على الحوثيين للاستمرار

عامل آخر، لا يقل أهمية عما سبق، يدفع الحوثيين إلى الاستمرار في عملياتهم يتمثل في الدور الإيراني، ورغبة طهران في الاستمرار في تمرير الدلو لحلفائها، باعتبار ذلك ورقة دبلوماسية للضغط على إسرائيل وأمريكا من خلال استعراض عضلاتها الإقليمية، أو تشتيتًا استراتيجيًّا وطعم يُرمى به للخصوم لإبقاء المعارك بعيدًا عن أراضيها لأطول فترة ممكنة.

من المؤكد أنَّ الحوثيين، حتى مع تبعيتهم لإيران، لن يكونوا مستعدين للتضحية بأنفسهم بالنيابة عنها، والوقوف بذات الموضع الذي ضُرب فيه حزب الله ونظام الأسد، إلا أنَّ الضغط الإيراني يشتد أزره ويتكامل مع العوامل الأخرى التي تدفع بالحوثيين نحو الاستمرار في القتال. إلى جانب ذلك، يعي الحوثيون أنَّ بقاء طهران وصمودها سبب رئيسي لبقائهم، وتراجعها سيكون أشبه بحجر الدومينو الأول في سقوطهم. وهم مرة أخرى يقفون بين سندان التهدئة الضرورية والصعبة، ومطرقة التصعيد الخطير والمحتوم.

الحوثيون ونظرية الرجل المجنون

خلال سنوات صعودهم، بداية من حركة الشباب المؤمن 1993، والحروب الست 2004- 2010، وسيطرتهم على صنعاء 2014 وإقحام البلد في الحرب الأهلية 2015، داوم الحوثيون على إكساء مصالحهم وحساباتهم البرجماتية ثوبًا أيدلوجيًّا ثوريًّا. ونجحوا على مدى السنوات العشر الماضية في اكتساب صورة نمطية باعتبارهم جماعة مندفعة أيدلوجيًّا وغير منطقية.

لا يخلو هذا التوصيف من بعض الصحة في جوانب عديدة، ولا سيما لجذورهم الأيدلوجية الراديكالية، وانعكاسها في سلوك النواة المركزية من مقاتليهم ومريديهم. وكذا في استعداد النخب في قيادات الجماعة للمضي قدمًا نحو الخيار شمشون وفق قاعدة “عليَّ وعلى أعدائي”. والذي آتى أكله في مقابل الموقف الحكومي والإقليمي وحتى الدولي المبني على تجنب الخسائر.

بدراسة النمط السلوكي -ودون نفي أو إنكار البعد الأيديولوجي بالكلية- كان سلوك الحوثيين، نمطًا منهجيًّا واستراتيجيًّا مقصودًا من جماعة ليس لديها الكثير لتخسره، في مقابل خصوم محليين وإقليميين لهم حسابات أشد تعقيدًا ومراكز ثقل استراتيجية وحرجة. الآن ومع توسعة إطار المشهد إقليميًّا ودوليًّا، يقف الحوثيون أمام خيار المضي قدمًا في سلوك الرجل المجنون، وربما تكثيف العمليات في البحر الأحمر بما يقود المجتمعين الشرق الأوسط والأوروبي -الأكثر ارتباطًا بالتجارة عبر البحر الأحمر- نحو الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للتهدئة في اليمن.

وبين تقييم خسائر التصعيد والتهدئة، يبدو مخاض الاستمرار في الحرب المخرج الأقل تدميرًا للجماعة، وربما مع بعض المكاسب المحتملة إذا ما تمكنت من إدارة الصراع بكفاءة واكتفى خصومها بهجمات جوية وبحرية مكثفة.

خلدون أ. حـــ. عبد الله

ماجيستير في الدراسات الاستراتيجية والدفاع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى