بينما انتظرت جموع السودانيين استعادة الجيش لولاية الجزيرة الاستراتيجية من يد الدعم السريع، ودحر التمرد في الخرطوم، إذا بقوات السريع تتمدد إلى ولاية سنار الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد، مما يهدد بإعادة رسم خريطة الصراع وتوازناته.
يسلط المقال الضوء على الأهمية الاستراتيجية لولاية سنار وموقعها الجغرافي ومكانتها الاقتصادية ورمزيتها في التاريخ السوداني، ودلالات وصول الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023 إلى عمقها، ويحلل أهمية موقعها في مسارات الحرب ومستقبلها، وكيف أنَّ السيطرة على الولاية تتيح للمنتصر التمدد شرقًا وغربًا ليتحكم في طرق الإمداد والسيطرة.
الموقع الجغرافي لولاية سنار
تقع ولاية سنار جنوب شرق السودان، بين خطي عرض 12,5 درجة و14,7 درجة وخطي طول 32,58 درجة شمالًا و35,42 درجة شرقًا. تحدها من الشمال ولاية الجزيرة ومن الجنوب ولاية النيل الأزرق ومن الشرق ولاية القضارف والحدود السودانية ــــــــ الإثيوبية، بينما تحدها ولايتي النيل الأبيض السودانية وولاية أعالي النيل الجنوب سودانية من جهة الغرب، وتقع عاصمة الولاية “سنجة” على بعد 360 كلم جنوب شرق الخرطوم، وتبلغ مساحة ولاية سنار حوالي 40,680 كلم2 ويصل عدد سكانها قرابة المليونين.
رمزية سنار في التاريخ السوداني
يحمل اسم سنار أبعادًا تاريخية مهمة بالنسبة للسودان الوسيط، ففي 1504 تأسست في سنار أول دولة عربية إسلامية، عُرفت بمملكة سنار أو مملكة الفونج، وكان لها حضور إسلامي في محيطها الإقليمي، ففي الأزهر الشريف كفلت رواقًا يستضيف طلاب السودان وجوار السودان الغربي، ولعبت دورًا رئيسيًّا في القضاء على الممالك المسيحية في علوة والمقرة بالتحالف مع مملكة العبدلاب.
الأهمية الاستراتيجية لولاية سنار
تتمتع ولاية سنار بأهمية استراتيجية كبيرة عسكريًّا وجيوسياسيًّا واقتصاديًّا وسياحيًّا، ويمكن أن تكون حاسمة في الحرب الدائرة لعدة أسباب.
أهمية جغرافية
من الناحية الجغرافية تقع الولاية في مفترق طرق تتحكم في الوصول إلى كل الولايات السودانية تقريبًا، ففي الاتجاه الشمالي ولاية الجزيرة التي تتحكم في الطرق المؤدية إلى العاصمة الخرطوم، وغربًا ولاية النيل الأبيض المؤدية بدورها إلى غرب السودان، وشرقًا تتحكم في الطرق المؤدية إلى ولاية القضارف وفي الجنوب الشرقي ولاية النيل الأزرق، وبالتالي تتحكم ولاية سنار في الوصول إلى بقية أنحاء السودان.
أهمية اقتصادية
- الزراعة: تقع ولاية سنار في قلب منطقة المشاريع الزراعية، مثل: مشروع السوكي ومشروع امتداد المناقل ومشروع غرب سكر سنار، وتعتبر من أكبر المناطق إنتاجًا للسمسم في السودان.
- الذهب: تعتبر منطقة جبل موية من أكثر المناطق التي تحتوي على الذهب حيث بدأ التنقيب فيه منذ عام 1912، وقد أكدت وزارة المعادن السودانية في 2016، وجود كميات تجارية من الذهب، واستدعت شركات روسية للمساعدة في وضع خرائط دقيقة وتقييم الخامات المتوفرة.
- خزان سنار: يعتبر خزان سنار أقدم السدود المائية التي أقيمت في السودان حيث تأسس في 1926، بغرض ري مشروع الجزيرة والمشاريع الأخرى وتوليد الكهرباء، أنشئ على النيل الأزرق، بسعة تخزينية 390 مليون متر مكعب، وتستغل مياه الخزان كذلك لري عدد من المشاريع، مثل: مشروع السوكي وامتداد المناقل وسكر غرب سنار ومشروع الرهد.
- محمية الدندر: تعتبر من أكبر عشر محميات طبيعية في العالم وتمتد على مساحة 10 آلاف كلم2، وصولًا إلى الحدود مع إثيوبيا، ويرتبط اسمها بمدينة “الدندر” الواقعة في الولاية، وتمتد بطول ولايات سودانية سنار والقضارف والنيل الأزرق.
الأبعاد الاستراتيجية للسيطرة على ولاية سنار في الحرب الحالية
- البعد الداخلي
تشكل ولاية سنار أهمية استراتيجية بالغة في مسارات الحرب الدائرة في السودان، فبعد ستة أشهر من سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة، حاول التمدد شرقًا للاستيلاء على ولاية القضارف التي يربطها بالطريق القومي الذي ينتهي بالوصول إلى العاصمة المؤقتة بورتسودان، وبعدد عدد من المحاولات الفاشلة توجه الدعم السريع إلى ولاية سنار واستولى على عاصمة الولاية “مدينة سنجة” ومدينة الدندر ومناطق أخرى مثل: جبل “موية” الاستراتيجي الذي أعلن الجيش استعادته مؤخرًا. ولتحقيق ذلك؛ سحب الدعم السريع عددًا من وحداته القتالية من الخرطوم وبعض الجبهات من أجل استكمال السيطرة على ولاية سنار، فماذا يعني سقوط سنار في يد الدعم السريع؟
- قطع خطوط التواصل والإمداد بين عدد من المناطق العسكرية التي يسيطر عليها الجيش، ووضع استراتيجيته على المحك، وتعقيد مستوى الإسناد المتبادل بين المناطق والقواعد العسكرية المختلفة.
- قطع خطوط الإمداد من ولاية النيل الأبيض وولايتي شمال وجنوب كردفان التي ما تزال تحت سيطرة الجيش، وهو ما يهدد سقوطها، خاصة وأنَّ قوات الدعم السريع ظلت تهاجم عددًا من القواعد في تلك المناطق باستمرار مع سيطرتها على الطريق الرابط بين الخرطوم وولاية النيل الأبيض وهو ما سيزيد من التحديات في وجه القوات المسلحة، ويوسع من مساحة سيطرة الدعم السريع.
- فتح طريق بديل للدعم السريع للوصول إلى ولاية القضارف التي، تمثل مفتاحًا مهمًا مما يهدد شرق السودان بأكمله حتى العاصمة المؤقتة في بورتسودان.
- يتيح لقوات الدعم السريع الوصول إلى ولاية النيل الأزرق، التي يقاتل في صفوفها المك العبيد أبو شوتال ويعني في الاصطلاح السوداني الملك وهو زعيم قومية الهمج في منطقة الروصيرص، وهو على خلاف حاد مع مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، وللملك شوتال سابقة في التمرد؛ حيث التحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان في 1996 ووقع اتفاقًا مع حكومة الإنقاذ في 1999 وعاد إلى البلاد، ما يعني احتمالية توفر مخزون بشري للتجنيد في صفوف قوات الدعم السريع إلى جانب توفر حاضنة اجتماعية.
ب-البعد الخارجي
في حالة السيطرة على ولاية سنار فسيكون سقوط ولاية النيل الأبيض مسألة وقت خاصة وأنَّ قوات الدعم السريع ستتجه إليها من أكثر من جبهة، ويفتح لها ذلك طريق إمداد عبر دولة جنوب السودان. وفي ذات الوقت سيسهل لها مهاجمة ولاية النيل الأزرق المتاخمة للحدود الإثيوبية، وهو ما تسعى إليه قوات الدعم السريع منذ فترةـ كما سيفتح لها خطًا آخر للإمداد من إثيوبيا التي تعاني اضطرابات واسعة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، فضلًا عن كون إثيوبيا حليفة للحاضنة السياسية للدعم السريع، أما إذا انفتح الدعم السريع شرقًا تجاه ولاية القضارف، فيمكنه الزحف نحو كسلا والبحر الأحمر.
تدور حاليًّا معارك شرسة في تخوم مدينة سنار العاصمة السابقة للولاية، خاصة أنَّ بالولاية قاعدة جوية ينطلق منها الطيران الحربي لضرب أهداف ومتحركات الدعم السريع، فمنطقة جبل موية تعتبر أحد أهم المناطق المستهدفة لكونها تقع في مركز الطرق التي تربط الولاية غربًا وشمالًا، إضافة إلى الطرق المؤدية إلى ولايتي النيل الأزرق والقضارف.
إدارة الجيش لمعركة سنار
لعبت الملابسات وحالة الغموض التي صاحبت سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر 2024 دورًا في ازدياد الثقة لدى قادة الدعم السريع بالتمدد جنوبًا للسيطرة على ولاية سنار، فبدأ بالهجمات المتقطعة على ولاية سنار بعد 5 أيام فقط من سيطرته على الجزيرة، ما يشير إلى إدراك قادته لأهمية سنار في حسم جزء كبير من المعركة لما تتمتع به من ميزات لا تتوفر لغيرها، فبدأوا بالهجوم على منطقة جبل مويه الاستراتيجية مرات تلو مرات دول كلل من فشل المحاولات، حتى تمكنوا من السيطرة عليها ثُمَّ تمددوا إلى عاصمة الولاية “سنجة” وأكملوا السيطرة عليها، وعبروا النيل الأزرق شرقًا ليستولوا على مدينة الدندر والسوكي والمزموم.
يعزو عدد من العسكريين تأخر الجيش في القيام بأي مبادرة استباقية تمنع الدعم السريع من الوصول إلى المناطق التي تسهل وصوله إلى مواقع استراتيجية في الولاية من خلال بقائه في مواقعه التقليدية، ويذهب آخرون إلى أنَّ الجيش لم يتوقع مهاجمة الدعم السريع لعاصمة الولاية، وظل مركزًا على منعه من دخول مدينة سنار.
وفي تصريح للناطق الرسمي للقوات المسلحة، قال إنَّ الجيش انسحب من سنجة حتى لا يلحق أضرارًا بالمدنيين. ولكن الواضح أنَّ من يدير معركة سنار يركز على جبل موية حيث الطرق المؤدية إلى عدد من الولايات لا تزال تحت سيطرة الجيش، فضلًا عن حمايته للقاعدة الجوية في كنانة، التي ينطلق منها الطيران الحربي الذي يهاجم متحركات وارتكازات الدعم السريع في ولايات الجزيرة وسنار والخطوط المتقدمة على تخوم ولاية القضارف، مثل الفاو.
تبعات سقوط سنار على الوضع الميداني للحرب
إنَّ سقوط سنار في يد الدعم السريع قد يقود إلى سقوط الحاميات في النيل الأبيض والمهددة أصلًا، ومن ثَمَّ تضييق الخناق على حاميات ولايات كردفان المحاصرة منذ فترة والتي ما تزال تحت سيطرة الجيش، كما سيفتح فرصة التمدد إلى النيل الأزرق والمتاخم لإثيوبيا وهو أمر ستكون له آثار استراتيجية على مسار الحرب بشكل كلي، وأما إذا ما اتجه الدعم السريع شرقًا نحو ولاية القضارف، فلن يتوقف الأمر عندها؛ لأنَّ الهدف الرئيسي حينها سيكون العاصمة المؤقتة بورتسودان على البحر الأحمر.
تعتبر معركة سنار نقطة تحول في مستقبل الحرب الدائرة في السودان، فالسيطرة عليها تمنح الجهة المسيطرة ميزة التمدد غربًا وجنوبًا وشرقًا، وصولًا إلى فتح طرق الإمداد مع دول الجوار، جنوب السودان وإثيوبيا، وتمكنه من التحكم في سير المعركة، وربما تحديد اتجاهات نهاية الحرب بأكملها.