أنتوني كينغ : قراءة في المعركة البرية بغزة
عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر، يستعد الجيش الإسرائيلي لشن هجوم بري كبير على غزة. في كتابي عن حرب المدن، ناقشت ساحة المعركة الحضرية في القرن الحادي والعشرين. نظرًا لأن عدد القوات في القرن الحالي أقل بكثير مما كان عليه في القرن العشرين، وبالتالي لم يعد بإمكان الجيوش الحفاظ على جبهات كثيفة في الميدان. وبدلا من ذلك تنفتح وتقاتل في المناطق الحضرية حيث تقع الأهداف الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية الحاسمة.
تنخرط الجيوش المعاصرة في عمليات حصار صغيرة داخل المناطق الحضرية. ففي القرن الحادي والعشرين، تركز القوى الأصغر على الأهداف الرئيسية داخل المناطق الحضرية. ويتبع ذلك قتال استنزاف مرير تُهاجم خلاله الأهداف ويُقضى عليها بشكل متسلسل. ولكن حتى مع تكثيف القتال وتحوله إلى عمليات حصار صغيرة، فإن صدى المعركة الحضرية يصبح عابرا للحدود، ويتردد عبر الأرخبيل الحضري العالمي من خلال الاتصالات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتم تجنيد المغتربين في الشتات في القتال لدعم بلادهم.
كيف ينطبق مشهد المعركة الحضرية هذا على غزة والجيش الإسرائيلي؟
وفقاً للمعايير المعاصرة، يتكون الجيش الإسرائيلي من قوة كبيرة تبلغ 169000 جندي، ويزداد حجمه مع استدعاء الاحتياطي ليبلغ نصف مليون جندي. فهل يعني هذا أن الجيش الإسرائيلي سيقاتل بشكل مختلف عن جيوش القرن الحادي والعشرين الأصغر حجما؟
يبدو هذا غير محتمل. فعلى الرغم من حجم الجيش الإسرائيلي الكبير، إلا أنه ملتزم بتأمين الجبهة الشمالية حيث يحشد هناك قوات مدرعات، كما يخصص جزءا من قواته للضفة الغربية. ومن الصعب أن نحدد بدقة هل يمكن أن يخصص 100 ألف جندي مقاتل للقتال في غزة؟ ربما يخصص أقل من ذلك.
من الصعب أيضًا تحديد حجم قوة حماس: إذ يتردد أنها تتراوح ما بين 10,000 إلى 30,000 مقاتل. قد تكون نسب القوة بشكل عام عشرة إلى واحد لصالح الجيش الإسرائيلي؛ لكن في غزة يترجح أنها ستكون أقرب إلى ثلاثة إلى واحد. وتتطلب العمليات الحضرية عادةً نسبة قوة تبلغ نسبة 10 إلى واحد. ولذلك فإن القتال في غزة سيكون بطيئا وصعبا ودمويا.
تشبه العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة معارك الفلوجة والموصل وحلب وماراوي في الفلبين، عندما قامت القوات الحكومية بتطهير المناطق الحضرية من الميليشيات غير الحكومية. وفي كل من هذه الحالات، تمتعت القوات الحكومية التي حاولت تطهير المدينة بنسب قتالية أفضل من إسرائيل.
القانون
يعاني المدنيون بشدة من القتال في المناطق الحضرية. وقد اتُهمت إسرائيل بالفعل بانتهاك قانون النزاعات المسلحة والقانون الإنساني الدولي. فيما يقول الإسرائيليون إنهم ملتزمون بحق الدفاع عن النفس؛ وأن ضرباتهم تتسق مع قانون النزاعات المسلحة والقانون الدولي الإنساني.
في المقابل، يرفض خصومهم هذه الادعاءات. وسوف تصبح ادعاءات النقاش القانوني أكثر حدة مع تعرض المدنيين الفلسطينيين للأذى. يجب على إسرائيل أن تعمل وفق القانون. ولكن هذا قد يكون صعبا.
البيئة
غزة منطقة حضرية معقدة. وهي ذات كثافة سكانية عالية إذ يبلغ عدد سكانها 2.2 مليون نسمة في مساحة 365 كيلومتر مربع أي أكثر من 6000 شخص لكل كيلومتر مربع. وتضم أيضًا شبكة أرضية واسعة من الأنفاق ومستودعات الذخيرة والمقرات والثكنات وورش العمل.
الدفاع الحضري
ستقوم حماس بإعداد الدفاعات، وتحصين المباني، وزرع العبوات الناسفة، واستخدام العبوات الناسفة، وتسليح السكان المدنيين. وسوف تستخدم الطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف للتنافس على المجال الجوي فوق غزة. فيما يُعقد الرهائن الإسرائيليون الوضع.
من أجل الهجوم على غزة، سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يقوم بعملية مشتركة ومتعددة المجالات. يتمتع الجيش الإسرائيلي بتفوق جوي كامل على الرغم من أن حماس ستحاول تحدي هذا حيثما استطاعت. وبالتالي، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى خطة جوية مفصلة للهجوم: عملية جوية متعددة المستويات، وتخصيص منصات للقيام بمهام نوعية على ارتفاعات مختلفة. وستحلق على علو منخفض طائرات بدون طيار صغيرة ومروحيات هجومية، وفوقهم طائرات مجنحة وطائرات بدون طيار أكبر حجما. وعلى ارتفاع أعلى من 65 ألف قدم، من المرجح أن تنشر إسرائيل طائرات استخباراتية استراتيجية. علاوة على ذلك، سيعتمد الجيش الإسرائيلي على صور الأقمار الصناعية لاستهداف حماس.
فوق الأرض
بدأ الجيش الإسرائيلي بسبر ميدان المعركة في غزة بالفعل. وفي نهاية المطاف، إما أن يقوم بعملية تطهير كاملة، أو يسعى للقضاء على مقرات حماس وقادتها، والرهائن، ومخابئ الأسلحة، ونقاط القوة، وما إلى ذلك. الخيارات هنا ليست مثالية.
حتى لو قرروا شن غارات محددة الأهداف، فسيتعين على الجيش الإسرائيلي الوصول إلى الأهداف والقضاء عليها. وسيتطلب ذلك قوة ميكانيكية ثقيلة مع جرافات ودروع، وقوة دعم نيران. إذا كان لنا أن نسترشد بالموصل أو ماراوي في الفلبين، فيبدو من المستحيل تجنب الأضرار الجانبية الهائلة.
تحت الأرض
تمتلك حماس نظاماً ضخماً تحت الأرض. إن القضاء على أنفاق حماس سيكون مهمة ضخمة. إن إغلاق الأنفاق ببساطة ليس كافيا. إن وحدات الأنفاق المتخصصة التابعة للجيش الإسرائيلي ماهرة، ولكنها صغيرة جدًا. وتوجد حاجة لتنفيذ تلك المهمة إلى قوة مشاة كبيرة وقوات مظلية؟
بحريا
غالباً ما يتم إهمال العنصر البحري في حرب المدن، لكنه سيكون حاسماً في غزة. نشرت البحرية الأمريكية سفنا لتعزيز نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي. وقد تلعب السفن الإسرائيلية دورًا مهمًا في هذه العملية، حيث تحدد أهدافا وتضربها من البحر. ومن المرجح أن تنحدر معركة غزة إلى سلسلة من عمليات الحصار التي ستخاض فوق وتحت الأرض، وسيتم دعمها حيثما أمكن من الجو ومن المدفعية.
المعلومات والعمليات النفسية
ستكون المعلومات والعمليات النفسية جزءًا أساسيًا من حملة الجيش الإسرائيلي. لقد انخرطت حماس بالفعل في عملية إعلامية مكثفة. لدى الجيش الإسرائيلي أجهزة متخصصة في مجال السايبر، مثل الوحدة 8200. وسوف يشنون حملة ضد قادة حماس والمدنيين الفلسطينيين.
إن الحملة الإعلامية في معركة غزة مهمة، لكن حرب المعلومات الإقليمية والعالمية الأوسع ستكون حاسمة بالنسبة لإسرائيل، وللجيش الإسرائيلي ولحماس.
لقد سعت إسرائيل وحماس بالفعل إلى حشد المؤيدين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. وقد نجحت حماس في حشد تأييد واسع النطاق للقضية الفلسطينية. وكانت هناك مظاهرات كبيرة في مدن بجميع أنحاء العالم.
لقد انتشرت معركة غزة بالفعل عبر الشتات الديني والعرقي، مما أدى في بعض الحالات إلى استقطاب اليهود ومؤيدي إسرائيل ضد الفلسطينيين ومؤيديهم. وسيشتد هذا الاستقطاب مع بدء المعركة. ومن المحتمل أن تتصاعد المظاهرات من الاحتجاج إلى العنف العرقي والسياسي في مدن أخرى. إن التداعيات السياسية الوطنية والدولية المترتبة على هذا الانتشار للاستقطاب خطيرة للغاية بالفعل.
الكاتب: أستاذ دراسات الدفاع والأمن بجامعة إكستر، ومؤلف كتاب “حرب المدن في القرن الحادي والعشرين”.