معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: إيلان زلايات و يوئيل جوزانسكي
باستثناء قطر، تشترك دول الخليج في هدف إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، وإضعاف المحور الذي تقوده إيران، وتوجيه ضربة لأيديولوجية الإخوان المسلمين. إلا أنَّ أولويتهم الرئيسية تتلخص في الحفاظ على الوفاق الإقليمي الذي تحقق في الأعوام الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بإيران. ولذلك فإنَّ المخاطر التي ينطوي عليها الصراع الإقليمي قد تدفعهم إلى تفضيل نهاية سريعة للصراع على الفوائد التي قد تترتب على هزيمة حماس.
فيما يتعلق بسيناريو “اليوم التالي”، فمن الممكن أن يكونوا على استعداد لأن يصبحوا جزءًا من جهود تحقيق الاستقرار في قطاع غزة، ضمن واقع استراتيجي تُجرد بموجبه حماس من قدراتها العسكرية والحكومية، وتحتفظ الولايات المتحدة بدور نشط في المنطقة، فيما تتجدد العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية.
لقد وضعت الحرب بين إسرائيل وحماس دول الخليج في موقف معقد؛ فبعضها يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في حين انخرطت دول أخرى -خاصة السعودية- في اتصالات تهدف إلى إقامة علاقات. ومؤخرًا، وضعت اللمسات الأخيرة على سلسلة من اتفاقيات المصالحة، على أمل أن تعمل هذه الاتفاقيات على تعزيز الاستقرار الإقليمي والسماح للرياض بتحويل اهتمامها إلى الشؤون الداخلية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت كل من الرياض وأبو ظبي سياسات خارجية مستقلة ونشطة تشجع على توقع قيامهما بدور أكثر نشاطًا في التطورات الإقليمية. إنَّ الأنظمة الملكية في الخليج تشعر بالتهديد إزاء حملة العلاقات العامة والإنجازات العسكرية التي قد يمنحها هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته حماس، لمنافسيها -إيران وجماعة الإخوان المسلمين- وتتمنى مشاهدة انتهاء حكم حماس في قطاع غزة وإضعاف حزب الله. فضلًا عن ذلك تخشى دول الخليج أن تؤدي أي إنجازات تحققها حماس وحزب الله إلى تعزيز مكونات التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران وأيديولوجية الإخوان المسلمين. وبعبارة أخرى، فإنَّهم يخشون أن يؤدي الإنجاز الذي سجلته حماس في السابع من أكتوبر إلى إعطاء المصداقية لحجة الإخوان المسلمين بأنَّ الإسلام السياسي قادر على النجاح حيث فشلت الأنظمة العربية.
ما مدى قوة اتفاقيات إبراهيم؟
تحرص كل من الإمارات والبحرين على الحفاظ على إطار علاقاتهما مع إسرائيل، لكن الصور من قطاع غزة أثارت ردود فعل شعبية كبيرة ضد إسرائيل والعلاقات الدبلوماسية معها. وتتجلى حساسية الأنظمة الملكية تجاه الرأي العام في العالم العربي في رد فعلها على الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي في 17 أكتوبر. ففي مواجهة الغضب الذي أثاره الحادث في جميع أنحاء العالم العربي، تجاهلت الأنظمة الخليجية التبريريات الإسرائيلية -التي زعمت أنَّ الانفجار نتج عن صاروخ خاطئ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي- وانضمت إلى الإدانات الإقليمية القاسية لإسرائيل. وأعرب أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، عن قلقه بشأن الفلسطينيين، ووصف الرد الإسرائيلي على هجوم حماس بأنَّه “غير متناسب”، وأضاف أنَّ الهجوم أثبت فشل السياسة الإسرائيلية في تجاهل القضية الفلسطينية وأنَّه لا يجوز لإسرائيل أن تستأنفها عندما تنتهي الحرب.
وفي الوقت نفسه، تشعر أبو ظبي على وجه الخصوص بالقلق من أي إنجاز يرتبط بالتماهي الأيديولوجي لحماس مع جماعة الإخوان المسلمين. وفي بيان لها في الأمم المتحدة، وصفت ريم الهاشمي وزيرة التعاون الدولي الإماراتية، هجمات حماس بأنَّها “همجية وقاسية”. وألقت وزارة الخارجية في أبو ظبي باللوم على حماس حصريًّا في التصعيد وأعربت عن “فزعها” من اختطاف مدنيين إسرائيليين كرهائن. ولم تكن أقل أهمية تصريحات رئيس لجنة الدفاع والشؤون الخارجية الإماراتية، الدكتور علي راشد النعيمي، الذي قال إنَّ الأحداث في غزة لن تغير حقيقة أنَّ “اتفاقات إبراهيم موجودة لتبقى”.
وحتى بعد شهر من القتال حين بدأ عدد القتلى الفلسطينيين في الارتفاع بشكل حاد، أوضح قادة الإمارات أنَّ بلادهم ستحتفظ بعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. كان رئيس الإمارات ابن زايد أول زعيم عربي يتحدث مع القيادة الإسرائيلية في أعقاب 7 أكتوبر. وبحسب ما ورد تحدث أيضًا إلى القادة العرب، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد، محذرًا من التدخل في الصراع أو استخدامه كذريعة لمهاجمة إسرائيل.
بعد حوالي شهر من اندلاع الحرب، عندما أدى حجم الدمار في غزة إلى احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء العالم العربي، استضافت السعودية مؤتمرًا مشتركًا طارئًا لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة الوضع في غزة. ومن بين المشاركين في اللقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أصبح أول رئيس إيراني يزور الرياض منذ سنوات طويلة، وكذلك الرئيس السوري بشار الأسد. وكان من أبرز الغائبين رئيس دولة الإمارات الذي أرسل بدلًا منه نائبه لحضور القمة، فيما يبدو بسبب التوترات المستمرة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
إلى حد كبير، كانت القمة محاولة سعودية لإظهار أنَّها حاضرة وفاعلة في أزمة غزة وأنَّها لا تسمح لإيران بالحصول على كل المجد الإقليمي بفضل دعمها لحماس ومعارضتها القوية لإسرائيل والولايات المتحدة. ومن جانبهما، استغلت طهران ودمشق القمة لتعزيز التطبيع مع العالم العربي.
كما كان متوقعًا، لم تسفر القمة عن أي قرارات عملية، وتضمن البيان الختامي المشترك دعوة لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإنهاء الحصار الإسرائيلي، إلى جانب مطالبة الأمم المتحدة مجلس الأمن بإصدار قرار ملزم بهذا المعنى.
أفادت التقارير أنَّه خلف الكواليس، منعت الإمارات والبحرين والسعودية على ما يبدو قرارًا مقترحًا كان من شأنه إلزام أي عضو في جامعة الدول العربية له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بقطع العلاقات، فضلًا عن الدعوة إلى وقف إمدادات النفط لحلفاء إسرائيل على غرار “الحظر النفطي” الذي فرضته الدول العربية في أعقاب حرب أكتوبر 1973.
التطبيع المستقبلي
يعزز توقيت هجوم حماس الافتراض السائد بأنَّها وإيران سعيا إلى عرقلة الاتصالات بين إسرائيل والسعودية قبل اتفاق التطبيع المحتمل. وقد أثار هذا الادعاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما قال إنَّ أحد أسباب مهاجمة حماس لإسرائيل هو أنَّ “السعوديين يريدون الاعتراف بإسرائيل”، كذلك قال المتحدث باسم حماس في لبنان أسامة حمدان، إنَّ هجوم 7 أكتوبر كانت رسالة للدول العربية التي تفكر في التطبيع مع إسرائيل.
لا شك أنَّ حماس استلهمت فكرة أنَّ التطبيع بين إسرائيل والسعودية -الدولة السنية الأكثر أهمية والوصية على الأماكن الإسلامية المقدسة- ستكون بمثابة ضربة رمزية للجهود الرامية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل والقضاء عليها، إلى جانب القلق من أنَّ أي شيء من هذا القبيل من شأنه أن يزيد من التدابير التي تعزز السلطة الفلسطينية. ومن الواضح أيضًا أنَّه كان من المفترض أن يتضمن اتفاق التطبيع تحالفًا دفاعيًّا بين واشنطن والرياض والتعاون في ملف الطاقة النووية المدنية، وهي التطورات التي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في التوازن الاستراتيجي على حساب إيران.
وبالفعل، بعد أيام قليلة من بدء الحرب، أعلن المسؤولون السعوديون تعليق المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التطبيع مع إسرائيل. الإعلان كان متوقعًا، وقد صيغَ بعناية حيث لا ينهي العملية إلى الأبد، وفي الوقت نفسه، للإشارة إلى أنَّ الرياض على الأقل في الوقت الحالي، تنأى بنفسها عن إسرائيل. كما يؤكد البيان الصادر عن البيت الأبيض أواخر أكتوبر، الذي شدد على أنَّ ابن سلمان أبلغ بايدن أنَّه حريص على مواصلة محادثات التطبيع بعد الحرب، أنَّ الرياض ليست في عجلة من أمرها للتخلي عن الوعود التي قطعتها للولايات المتحدة أثناء محادثات التطبيع بين البلدين. وجاء الإعلان السعودي عن تعليق محادثات التطبيع بعد محادثة هاتفية بين ابن سلمان والرئيس الإيراني رئيسي، هي الأولى من نوعها منذ تجديد العلاقات بين البلدين في مارس 2023.
واجهت دول الخليج التعارض بين عدم السماح لحماس وإيران بالاستحواذ على القضية الفلسطينية، وبين الحفاظ على العلاقات معهما من خلال إصدار إدانات عامة لإسرائيل، ودعوة كافة الأطراف إلى عدم تصعيد الوضع، والدعوة إلى وقف إطلاق النار. وهكذا، في حين أنَّ السعودية تنتقد إسرائيل بشدة، إلا أنَّها لم تستثن حماس أيضًا. على سبيل المثال، قال الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، إنَّ الفظائع التي ترتكبها حماس تتعارض مع مبادئ الإسلام ولم تكن “بطولية”.
وفي وسائل الإعلام التي تسيطر عليها السعودية، الخط السائد هو اتهام إيران بالوقوف وراء هجمات حماس الدموية، فضلًا عن وصف الفلسطينيين بأنَّهم ضحايا إيران – مقارنة بموقف الرياض التي تسعى إلى تحسين حياة الشعب الفلسطيني من خلال محادثات التطبيع. كما تتهم حماس بالتضحية بشعب غزة من أجل مغامرة عسكرية ميؤوس منها. وقد أحدثت المقابلة التي أجراها خالد مشعل القيادي الكبير في حماس مع قناة العربية، موجات من التوتر في أنحاء الشرق الأوسط، بعد أن وجهت المذيعة رشا نبيل عدة اتهامات قاسية ضد حماس، بل وقارنت حماس بداعش. وذهب الصحافي السعودي عبد العزيز الخميس إلى أبعد من ذلك خلال مقابلة مع شبكة “كان” الإسرائيلية، قائلًا إنَّه إذا انتهت الحرب دون تدمير حماس، فستكون كارثة على إسرائيل وعلى العالم الحر بأكمله. ويُعتقد أنَّ هذا هو أيضًا الموقف الرسمي للبيت الملكي السعودي، الذي يريد مشاهدة إطاحة حماس من السلطة في قطاع غزة، لكنه يخشى ألا تتمكن إسرائيل من إنجاز المهمة.
القلق الرئيسي لدول الخليج هو أنَّ الصراع قد ينتشر إلى ساحات قريبة منهم. همهم الرئيسي هو اليمن، حيث يمكن أن تستخدم إيران الحوثيين كوكيل لمهاجمة إسرائيل، مما يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار ويعرض السعودية مرة أخرى لهجمات الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ دول الخليج موطن لقواعد عسكرية أمريكية تعد أيضًا أهدافًا محتملة لإيران ووكلائها.
ترى السلطات السعودية كيف وقفت الولايات المتحدة بثبات إلى جانب إسرائيل، سواء من حيث الرسائل العامة أم نشر القوات وغيرها من الأصول العسكرية في المنطقة. وبالنسبة للرياض، فهذه علامة مشجعة على أنَّ واشنطن سترد بالطريقة نفسها إذا تعرضت السعودية لهجوم.
إنَّ القضية الفلسطينية مهمة للغاية في دول الخليج، والفجوة بين الموقف العام الإيجابي للغاية تجاه الفلسطينيين والنهج الأكثر توازنًا للقيادة واضح. فضلًا عن ذلك، فإنَّ الخطر المتزايد لاندلاع حرب إقليمية من شأنه أن يزيد من مستوى القلق في منطقة الخليج، وقد يشجع الأنظمة العربية على تفضيل التوصل إلى حل سريع للحرب في غزة على أي فائدة قد تجنيها من تدمير حماس.
الخاتمة
في الحرب بين إسرائيل وحماس، كانت السعودية والإمارات، اللتان تسعيان إلى وضع نفسيهما كلاعبين رئيسيين في العالم العربي سلبيتين نسبيًّا، وبصرف النظر عن البيانات الرسمية والمساعدات الإنسانية، فقد تركا الساحة الدبلوماسية لقطر، نظرًا لأنَّهما لا يزالان يعتمدان على الحماية الأمريكية من هجوم محتمل من قبل إيران.
وفي الوقت نفسه، يظل بوسع البلدين أن يلعبا دورًا في تحقيق الاستقرار في “اليوم التالي لحماس”. وهذا يعتمد على توجيه إسرائيل ضربة قاتلة لحماس واستئناف العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية، التي ستشمل السلطة الفلسطينية والمشاركة الكبيرة للولايات المتحدة في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، في حين أنَّه من المستحيل تصور اقتراب إسرائيل والسعودية من التطبيع مع استمرار الحرب، فقد تركت الرياض الباب أمام التطبيع مفتوحًا. لكن من المرجح أنَّه بمجرد انتهاء الحرب، سيكون العنصر الفلسطيني في أي اتفاق تطبيع أكثر بروزًا مما كان عليه قبل هجوم حماس.
ترى السعودية والإمارات أنَّ إيران ليس لديها مشكلة في استخدام وكلائها، وكيف تحشد الولايات المتحدة قوتها العسكرية للدفاع عن إسرائيل. وقد تشجعهما هذه التطورات على التقرب من إسرائيل والولايات المتحدة. وحتى الآن، تعتبر الجهود المشتركة التي تبذلها إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة لوقف إطلاق الصواريخ الحوثية من اليمن فأل خير للتعاون في المستقبل، الذي يمكن توسيعه.