الكاتبة: إيكاترينا زولوتوفا
بعد أن أعلنت إسرائيل أنَّها في حالة حرب مع حماس، أعربت عدة دول عن قلقها إزاء تصاعد الصراع ودعت الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية، وكانت روسيا إحدى تلك الدول – على الرغم من أنَّ بعض الأصوات اتهمت موسكو بمساعدة هجوم حماس على إسرائيل صبيحة 7 أكتوبر، قائلين إنَّ ذلك سيكون مفيدًا في صرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا، وقد رفضت إسرائيل نفسها هذه الادعاءات باعتبارها تآمرية بحتة، ورغم أنَّ روسيا يمكن أن تستفيد من الصراع، فإنَّها لن تفعل ذلك إلا بصفتها وسيطًا وليس طرفًا في الحرب.
في نهاية المطاف من المؤكد أنَّ العالم قد حول انتباهه من أوكرانيا إلى إسرائيل، ومن المؤكد أنَّ روسيا ترحب بالتحول، ولقد أنفق الكرملين موارد لا حصر لها على مجهوده الحربي ولا يستطيع أن يخرج من الحرب خاسرًا. إنَّ الخسارة من شأنها أن تحرم موسكو من المكانة الدولية التي تسعى إليها بشدة، ومن المرجح أن تؤدي الخسارة إلى استياء داخلي وسوف تؤدي إلى الشيء ذاته الذي سعت روسيا إلى تجنبه، وهو وجود قوات حلف الناتو بالقرب من حدودها.
لقد دفعت هذه الحقائق الكثيرين إلى الاعتقاد بأنَّ روسيا ستستغل هذه اللحظة لشن هجوم آخر في أوكرانيا، لكن فرصة حدوث ذلك ليست جيدة كما تبدو، حيث إنَّ روسيا متورطة بعمق في أوكرانيا، وفي تنشيط النمو الاقتصادي في مواجهة نقص العمالة والعقوبات الخانقة إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن مساعدة أو تحريض أي من جانبي الحرب بين إسرائيل وحماس، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإنَّ روسيا لديها مصلحة في الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا الطرفين، وكلما تفاقمت الحرب أصبح من الصعب على روسيا القيام بأي من الأمرين.
تدرك موسكو أنَّ الحرب في أوكرانيا ستنتهي بطريقة أو بأخرى، وهي تدرك أنَّ أوكرانيا ليست وسيلتها الوحيدة لتوسيع نفوذها، كما تدرك أنَّها في ظل هذه الظروف تحتاج إلى الانخراط سياسيًّا واقتصاديًّا قدر استطاعتها مع البلدان التي تربطها بها علاقات جيدة.
إنَّ إسرائيل والسلطة الفلسطينية هي دول من هذا القبيل، إذ تستمر روسيا في الحفاظ على الحوار مع كليهما وَفقًا لذلك.
وفي الواقع فإنَّ علاقات روسيا بالمنطقة علاقات تاريخية، فبعد أن أعادت إسرائيل توجيه سياستها الخارجية نحو الغرب خلال الحرب الباردة، زود الاتحاد السوفييتي منظمة التحرير الفلسطينية بالأسلحة ودرب مقاتليها في المؤسسات التعليمية العسكرية السوفييتية، وظلا على اتصال منذ ذلك الحين.
لقد ساهم دعمها للفلسطينيين في تعزيز مكانتهم بين دول الشرق الأوسط الأخرى، التي زاد العديد منها تجارته مع روسيا زيادة كبيرة منذ بداية العقوبات الغربية الأخيرة، وتشمل هذه الدول إيران والجزائر اللتين تحتاجان أيضًا إلى الدعم الاقتصادي من روسيا في هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة.
علاوة على ذلك يعد الإسلام ثاني أكثر الديانات انتشارًا في روسيا، حيث يوجد العديد من أتباعه في شمال القوقاز، ويحتاج الكرملين إلى دعمهم للحفاظ على الاستقرار في أطرافه الجنوبية، وأخيرًا هناك حوالي 2000 مواطن روسي يعيشون في الأراضي الرسمية للسلطة الفلسطينية منهم 1200 في قطاع غزة، وهذا يفسر سبب دعوة الرئيس بوتين إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
رغم ما سبق تواصل روسيا الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل، إذ يعيش ما يقرب من 80 ألف يهودي في روسيا، كما أنَّ الشتات اليهودي الروسي في إسرائيل كبير أيضًا، كما كانت إسرائيل إحدى الوجهات المفضلة للروس الذين فروا من البلاد بعد غزو أوكرانيا، ففي عام 2022 فر أكثر من 37 ألف شخص إلى إسرائيل من روسيا، وفي عام 2023 قبل فرض قوانين الهجرة الأكثر صرامة، ارتفع عدد الأشخاص الذين غادروا روسيا إلى إسرائيل ارتفاعًا كبيرًا.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تنظر روسيا إلى إسرائيل التي تمتلك قوة نووية، باعتبارها عامل استقرار في الشرق الأوسط، وتقدر حقيقة امتناعها عن الانخراط في نظام العقوبات الغربية ضد روسيا. وفيما يتعلق بالحرب مع حماس قال بوتين: “إنَّ إسرائيل تتعرض لهجوم غير مسبوق، ومن حقها الدفاع عن مواطنيها”.
لكن ربما يكون الدليل الأكثر إقناعًا على عدم تورط روسيا في الحرب بين إسرائيل وحماس، هو أنَّ روسيا لم تستخدم هذه الحرب لصالحها حتى الآن. فلم تشن أي هجمات جديدة ولا يوجد أي مؤشر على أنَّ الجيش الروسي كان في حالة تأهب تحسبًا لحدوث أي شيء دراماتيكي. كل ما فعلته هو محاولة وضع نفسها كوسيط في الصراع، وبالإضافة إلى دعوتها إلى وقف إطلاق النار، أكد بوتين أهمية الجهود الدبلوماسية لإرساء سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنَّ أي عملية برية في غزة من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة وموت للمدنيين.
تعلم روسيا أنَّ الشرق الأوسط يمثل أولوية أعلى بكثير بالنسبة للولايات المتحدة من أوكرانيا، وأنَّ واشنطن قد تكون مهتمة خاصة بوجود طرف آخر يمكنه التوسط في الصراع حتى لا تنجر مرة أخرى إلى صراع إقليمي آخر، وعلى عكس روسيا فإنَّ الولايات المتحدة لا تحظى بالكثير من التأييد بين الفلسطينيين على أي حال، وفعلًا يحاول الكرملين معرفة كيفية استخدام علاقاته لحل مشكلاته، وهناك فعلًا شائعات عن حوار محتمل بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي الأسبوع الماضي عُقد اجتماع على مستوى العمل للدول النووية الخمس في نيويورك بمشاركة ممثلين روس.
أما روسيا فإنَّ فوائد الوساطة ذات شقين: فهي تساعد موسكو على الخروج من عزلتها الدولية النسبية من خلال العمل مع شركاء لم تكن لتعمل معهم لولا ذلك الصراع، ومن المحتمل أن تساعد في منع اتساع أكثر أو تورط دول إقليمية أخرى فيه، كما تتمتع روسيا بشراكات اقتصادية وبنية تحتية ولوجستية مربحة يمكنها توظيفها في الوساطة.
السؤال الحقيقي هو ما إذا كان لدى موسكو الوقت الكافي لاغتنام هذه الفرصة في ضوء المشكلات العديدة التي تواجهها، فالفوائد كبيرة وستفقد موسكو حال تقاعسها عن العمل فرصتها البديلة، فإذا اتسعت الحرب لتشمل حلفاء روسيا، فسيكون من الصعب للغاية على موسكو موازنة قوتها في الشرق الأوسط وسوف تفقد روسيا فرصتها.