استراتيجيترجماتعسكري

معهد الحرب الحديثة: التحديات التي تنتظر القوات البرية الإسرائيلية في غزة

بعد وقت قصير من هجوم حماس الذي أدى إلى خسائر فادحة لم تواجه “إسرائيل” مثلها منذ عقود، أعلنت إسرائيل الحرب. لم يكن من الواضح على الفور النطاق الكامل للإجراءات المحددة التي سيتضمنها إعلان الحرب، لكن عندما صرح رئيس الوزراء نتنياهو بأنَّ العمليات ضد قوات حماس التي هاجمت إسرائيل سيعقبها “شن هجوم”، فسر الكثيرون ذلك على أنَّه إشارة إلى إرسال قوات برية إلى غزة. ويبدو هذا الاحتمال مرجحًا بشدة بعد أن أخبر نتنياهو الرئيس الأمريكي بايدن بأنَّ إسرائيل يجب أن تدخل غزة بهدف تدمير القدرة العسكرية لحماس. ولشن هجوم بري محتمل، استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من ثلاثمائة ألف من جنود الاحتياط، كما يواصل حشد قوة كبيرة في جنوب “إسرائيل”.

في حال تخطيط “إسرائيل” فعلًا لشن هجوم بقوات برية على غزة، فإنَّ هذه القوات ستواجه مجموعة من التحديات – بعضها يماثل تلك التي شهدتها المعارك الحضرية الأخيرة في عدة أماكن، والبعض الآخر ينبع من الخصائص الفريدة للتضاريس الحضرية ووضع الخصم في غزة. لكن كيف سيبدو شكلها على وجه التحديد؟

 إنَّ الحالتين الأخيرتين لحرب المدن وتجربة إسرائيل السابقة في غزة تقدمان أدلة، ومن المهم ملاحظة أنَّ مساحة قطاع غزة البالغة 140 ميلًا مربعًا تحتوي على مدن متعددة ذات كثافة سكانية عالية مثل مدينة غزة ودير البلح وخان يونس ورفح، كما أنَّ القطاع موطن لأكثر من مليوني نسمة، لكن المنطقة ليست “واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم” كما وصفتها بعض التقارير. إنَّ الجزء الأكثر كثافة في غزة، وهو مدينة غزة، يضم أكثر من تسعة آلاف ساكن لكل كيلومتر مربع، لكن هذا لا يضعها حتى في قائمة الخمسين مدينة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

لقد تم خوض سلسلة من المعارك الحضرية الأخيرة في مدن ذات كثافات سكانية مماثلة مثل بغداد في عام 2003 والفلوجة في عام 2004 والموصل وماراوي بالفلبين في عام 2017 وكييف وماريوبول في عام 2022. وكما توضح الدروس المستفادة من هذه المعارك، فإنَّ حرب المدن تحتاج إلى ألا تحدث في مناطق كثيفة السكان، حيث تمثل صعوبات كبيرة للقوات العسكرية.

لدى إسرائيل سوابق في تنفيذ عمليات برية في غزة وضد حماس، فآخر مرة أرسلت فيها إسرائيل قوات برية إلى غزة كانت خلال عملية “الجرف الصامد” التي استمرت خمسين يومًا في عام 2014، ففي هذه العملية التي حشدت لها إسرائيل 75 ألف جندي احتياطي، شنت حملة جوية وبرية وبحرية مشتركة لدعم ثلاث فرق من الجيش الإسرائيلي انتقلت إلى غزة. واستنادًا إلى العمليات الإسرائيلية السابقة ضد حماس في المناطق الحضرية في غزة والمعارك الحضرية الحديثة التي وقعت على تضاريس كثيفة نسبيًّا، فمن المرجح أن تطرح العديد من التحديات المحددة نفسها.

التحديات التكتيكية التي تنتظر القوات البرية الإسرائيلية في غزة

يُعدُّ القتال في التضاريس الحضرية الكثيفة من أكثر أنواع الحرب تعقيدًا وصعوبة، التي يمكن توجيه الجيش لإجرائها بسبب التفاعل الفريد للتحديات مثل التضاريس المادية الكثيفة ووجود المدنيين والقيود على استخدام القوة التي تفرضها قوانين الحرب والاهتمام العالمي واسع الانتشار وفي الوقت الحقيقي بسير المعركة.

آخر مرة دخلت فيها القوات الإسرائيلية غزة كانت في عام 2014، مما يعني أنَّ حماس والجماعات المقاتلة الأخرى كان أمامها ما يقرب من عقد من الزمن للاستعداد للدفاع عن مدن غزة. وفيما يلي قائمة بالتحديات الأكثر احتمالية التي سيواجهها الجيش الإسرائيلي:

الصواريخ

 تمتلك حماس ترسانة كبيرة من الصواريخ وقذائف الهاون في غزة، وفي عام 2014 أطلقت حماس ما يُقدر بستة آلاف صاروخ طويل ومتوسط وقصير المدى خلال المعركة التي استمرت خمسين يومًا وأطلقت أكثر من 4500 صاروخ في ثلاثة أيام فقط. وقَدَّرَ تقرير صدر في عام 2021 أنَّ حماس تمتلك أكثر من ثمانية آلاف صاروخ، مما يعني أنَّه حتى لو لم تزد مخزوناتها على مدى العامين الماضيين، فإنَّ لديها آلاف الصواريخ تحت تصرفها لاستهداف القوات البرية الإسرائيلية المهاجمة.

في معركة بغداد عام 2003، دمر صاروخ عراقي قصير المدى مركز قيادة لواء بالجيش الأمريكي في المدينة. كان اللواء يجري عملية “Thunder Run” الثانية الشهيرة، التي كان من شأنها أن تحسم المعركة بأكملها، ومع ذلك فإنَّ مثل هذه الضربة الحاسمة بصاروخ تمكنت من تغيير هذه النتيجة.

طائرات دون طيار

إحدى التحديات التي ستكون أكثر خطورة وبشدة مما واجهته إسرائيل في تجربتها السابقة في حرب المدن، هو استخدام مجموعة كاملة من الطائرات دون طيار الانتحارية من الطراز العسكري، فضلًا عن المروحيات التجارية الرباعية الجاهزة والمعدلة لإسقاط الذخائر. وقد نشرت حماس مقاطع فيديو لقواتها أثناء استخدامها طائرات دون طيار خلال هجومها صبيحة 7 أكتوبر، كما تظهر طائرات دون طيار أكبر في مخزونها تشبه الطائرات الإيرانية التي تستخدمها القوات الروسية في أوكرانيا.

 وبكونها سمة متنامية في الحرب، تضمنت المعارك الحضرية الأخيرة طائرات دون طيار بدرجة أكبر بكثير من أي شيء واجهه الجيش الإسرائيلي من قبل، فخلال معركة كييف عام 2022 على سبيل المثال، استخدمت القوات الأوكرانية طائرات دون طيار لمفاجأة العديد من المراقبين بهزيمة الجيش الروسي. استعملوا طائرات دون طيار تتراوح من طائرة بيرقدارTB2  التركية إلى المروحيات الرباعية لضرب الأهداف والرصد، تمهيدًا لإطلاق النار ولمراقبة تحركات القوات الروسية.

الأنفاق

 بِناءً على المعلومات الاستخبارية التي وصلت خلال العمليات السابقة لمكافحة الأنفاق في غزة، بما في ذلك عملية “حارس الجدار” عام 2021، التي دمرت خلالها إسرائيل ستين ميلًا من الأنفاق، أفادت التقارير بأنَّ هناك مئات الأنفاق في غزة، ومن المحتمل أن يكون هناك ما يرقى إلى مدينة كاملة من الأنفاق والمخابئ تحت سطح غزة. وكما فعلت في عام 2014 من المتوقع أن تستخدم حماس الأنفاق استخدامًا هجوميًّا لمناورة المهاجمين تحت الأرض ولإبقاء عناصرها مختبئين ومحميين ولشن هجمات مفاجئة، وستستخدمها حماس أيضًا استخدامًا دفاعيًّا للتنقل بين مواقع القتال لتجنب القوة النارية للجيش الإسرائيلي.

وفي معركة الموصل عام 2017، أمضى عناصر داعش عامين في حفر الأنفاق التي استخدموها للتنقل بين المباني ومواقع القتال، وقد ساهم هذا إلى حد كبير في أنَّ المعركة تطلبت أكثر من مائة ألف من قوات الأمن العراقية مدة تسعة أشهر، فضلًا عن تدمير معظم المدينة لتطهيرها من القوات المعادية.

الهجمات المضادة للدروع

 للدخول إلى بيئة حضرية متنازع عليها، يجب أن ترافق القوات العسكرية مركبات هندسية ودبابات شديدة الحماية – ويجب أن تكون قابلة للحماية ضد الأسلحة المضادة للدروع التي يستخدمها المدافعون عن المناطق الحضرية، ففي عام 2014 تعرضت مركبات الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق حماس مجموعة واسعة من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، مثل ماليوتكا وكونكورس وفاغوت وكورنيت، بالإضافة إلى قذائف صاروخية ذات إطلاق مباشر مثل قاذفات آر بي جي-7 وآر بي جي-29 الحديثة، كل من هذه الأنواع وغيرها من الإصدارات الحديثة من الأسلحة المحمولة والفعالة يسهل نقلها وإخفائها في مواقع القتال الضيقة والمحدودة في التضاريس الحضرية.

في معركة الفلوجة الثانية عام 2004، فقدت كتيبة أمريكية واحدة شاركت في اختراق دفاعات الخصم ست دبابات من طراز M1A2 أبرامز (معظمها عمليات تدمير أثناء التنقل) بنيران آر بي جي. وفي معركة ماريوبول عام 2022، استخدم بضعة آلاف فقط من المدافعين صواريخ الكورنيت وجافلين والقذائف الصاروخية وغيرها من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات لتدمير العديد من المركبات الروسية وإسقاط أكثر من اثني عشر ألف جندي روسي، وفي نهاية المطاف الاحتفاظ بالسيطرة على المدينة أكثر من ثمانين يومًا.

نقاط القوة والقناصة

ستسعى حماس إلى استخدام دفاع يعتمد على القتال المتلاحم ونقاط القوة (المباني الثقيلة المصنوعة من الخرسانة والفولاذ والمزودة في كثير من الأحيان بأقبية وأنفاق) والقناصة، ففي عام 2014 نشرت حماس ما بين 2500 و3500 مقاتل للدفاع عن غزة مزودين بالصواريخ وقذائف الهاون والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية والمدافع الرشاشة والأسلحة الصغيرة، ووجد معظمهم في نقاط قوية محمية.

في تاريخ حرب المدن، يمكن أن يستغرق تطهير مبنى واحد مثل نقطة قوية أيامًا أو أسابيع أو أشهر، ففي معركة ستالينجراد عام 1942 تطلب تطهير مبنى مكون من أربعة طوابق، يُعرف باسم منزل بافلوف، من فرقة ألمانية أكثر من ثمانية وخمسين يومًا، وفي معركة ماراوي الأحدث عام 2017 استغرق تطهير المباني الفردية العديدة أيامًا من الجيش الفلبيني وفي بعض الحالات أسابيع. على الجيش الإسرائيلي أن يتوقع مواجهة نقاط القوة والقناصة مرة أخرى، فكلاهما مَثّلَ على مر التاريخ تحديًّا كبيرًا للجيوش المهاجمة.

تحديات أخرى

لا شك أنَّ حرب المدن ستفرض تحديات تمتد إلى ما هو أبعد من المستوى التكتيكي، علاوة على ذلك هناك العديد من الأمور التي ستشكل تحديًّا لجهود إسرائيل على المستوى العملياتي وحتى الإستراتيجي.

الإصابات

في عام 2014، فقد الجيش الإسرائيلي ستة وستين جنديًا، ونظرًا لحجم الهجمات التي شنتها حماس في الأيام الأخيرة، فمن المرجح أن تكون الأهداف الإسرائيلية أكثر شمولًا مما كانت عليه قبل تسع سنوات. وعلى هذا النحو، فإنَّ عملية برية في غزة لا تهدف فقط إلى تطهير أجزاء من التضاريس الحضرية الكثيفة، بل أيضًا إلى تدمير القدرة العسكرية لحماس وستؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي.

الذخيرة

 يمكن أن تتطلب حرب المدن أربعة أضعاف كمية الذخيرة أو حتى أكثر مما يتطلبه القتال في البيئات الأخرى. وفي مواجهة التحديات التكتيكية الموصوفة أعلاه، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى وفرة من الذخيرة، ليس فقط ذخيرة الأسلحة الصغيرة، لكن أيضًا صواريخ اعتراضية للدفاع الجوي في جميع أنحاء إسرائيل وذخائر موجهة بدقة وقذائف نظام الحماية النشطة على المركبات والصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون… إلخ.

تحديات مجهولة

أخيرًا هناك الكثير مما يمكن أن توضحه تجربة الجيش الإسرائيلي السابقة والتاريخ الحديث لحرب المدن فيما يتعلق بالتحديات التي ستواجهها القوة البرية الإسرائيلية في غزة. وهناك أيضًا العديد من الأشياء المجهولة على سبيل المثال، أحدها هو الدفاع الجوي، لقد قالت حماس سابقًا إنَّ لديها عدة أنواع من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، مثل SA-7 وSA-18 وSA-24، إنَّ وجود هذه الأسلحة وغيرها من أسلحة الدفاع الجوي من شأنه أن يشكل تحديًّا كبيرًا للقوة الجوية الإسرائيلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على القوات البرية التي تعتمد على الغطاء الجوي.

السياق الإستراتيجي: الإرادة والوقت

لا ينبغي أن يكون هناك شك في مدى خطورة هذه التحديات، لكن من المهم الاعتراف بأنَّها سوف تنشأ على خلفية تشكلها حقيقة أساسية: وهي أنَّ الحرب عبارة عن صراع إرادات، ويشمل ذلك رغبة الجنود في القتال وإرادة السياسيين في مواصلة العملية العسكرية وإرادة السكان في دعم القرار السياسي بمواصلة القتال.

علاوة على ذلك، فإنَّ الإرادة ليست ثابتة، إذ تتغير بمرور الوقت، وبشكل أكثر تحديدًا يصبح من الصعب الحفاظ على الإرادة كلما استغرقت العملية وقتًا أطول. وفي حرب المدن يُعدُّ الوقت عنصرًا حاسمًا، يستغرق الأمر وقتًا لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين ويستغرق وقتًا للتخطيط والتحضير وتنفيذ هجوم على المدينة بطريقة تزيد من احتمالات النجاح. وبمجرد أن تبدأ معركة في المناطق الحضرية، يوضح التاريخ أنَّه مع مرور كل يوم ومع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين والأضرار الجانبية، تتزايد الضغوط الدولية لوقف القتال. ومن أجل تحقيق هدف تدمير قدرة حماس العسكرية في غزة بالكامل، فإنَّ القوات البرية الإسرائيلية ستحتاج إلى أسابيع إن لم يكن أشهر. هذه هي الطبيعة التي لا مفر منها لحرب التضاريس الحضرية.

تدرك إسرائيل جيدًا التحدي السياسي والعسكري الذي يمثله الزمن، لقد خاضت كل الحروب في تاريخها تقريبًا في سباق مع الزمن، ساعية إلى تحقيق أهدافها قبل أن تجبرها الضغوط الدولية على وقف عملياتها. ولهذا السبب طورت إسرائيل -بحسب ادعاء الكاتب الذي يكذبه الواقع- عددًا من الممارسات للحفاظ على الشرعية وتقليل الأضرار الجانبية في حرب المدن، وتتراوح هذه الإجراءات بين إرسال رسائل إلى المدنيين لمغادرة مناطق القتال إلى “طرق الأسطح” (إسقاط متفجرات محدودة القوة على أسطح المنازل في المناطق المستهدفة لمنح المدنيين الوقت للمغادرة قبل بدء الهجوم) إلى تعيين مستشارين قانونيين في الأوامر التكتيكية وإشراكهم مباشرة في عمليات الاستهداف.

وفي نهاية المطاف، فإنَّ نتيجة أي معركة في غزة سوف تتشكل على الأكثر من خلال مجموعة من هذه التحديات، وهي مجموعة معقدة من المتغيرات التي لا يمكن حسابها مقدمًا على الإطلاق، لكن سيُحدد ذلك أيضًا من خلال مدى تكيف قوات الجيش الإسرائيلي في مواجهة التحديات، وما إذا كان لديها الوقت اللازم للقيام بذلك.

الكاتب: جون سبنسر

رئيس دراسات الحرب الحضرية في معهد الحرب الحديثة، خدم مدة خمسة وعشرين عامًا جنديًّا في المشاة، بما في ذلك جولتين قتاليتين في العراق. في يونيو 2022، سافر بشكل مستقل إلى أوكرانيا للبحث في الدفاع عن كييف، وهو مؤلف كتاب “الجنود المتصلون: الحياة والقيادة والاتصال الاجتماعي في الحرب الحديثة” ومؤلف مشارك في كتاب “فَهم الحرب الحضرية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى