بدأت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية والإسرائيلية تناقش التقارب فيما بينها في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية ونقل تكنولوجيا مكافحة الطائرات المسيرة، والذي أمل به حلفاؤهما منذ فترة طويلة. يذكر أنَّ لكلا الجانبين قدرات يمكن للآخر استخدامها ضد أعدائهما التقليديين: روسيا وإيران.
زار وفد من الضباط العسكريين الإسرائيليين المتخصصين في الدفاع الجوي كييف في أكتوبر 2024. وفيما لم تتضح حتى الآن أي تفاصيل حول الزيارة، علم موقع “إنتليجنس أونلاين” من مصادره أنَّ الوفد الإسرائيلي جاء للتعرف إلى أساليب القوات الأوكرانية في تحييد الطائرات المسيرة الانتحارية التي تستخدمها روسيا على الجبهات.
رغم أنَّ أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية أثبتت كفاءتها في اعتراض الصواريخ والقذائف، فإنَّها تفشل في اعتراض الذخائر المتسكعة والطائرات المسيرة الانتحارية الأخرى التي يستخدمها حزب الله على نطاق واسع. ففي 14 أكتوبر، اخترقت مثل هذه المسيرات الدفاعات الجوية الإسرائيلية دون عوائق وضربت قاعدة عسكرية، مما أسفر عن مقتل العديد من الجنود الإسرائيليين.
الابتكارات الأوكرانية ذات الكلفة المنخفضة
تستخدم موسكو هذا النوع من الطائرات المسيرة ضد القوات الأوكرانية بزخم كبير، وخاصة الطائرة Zala Lancet المخيفة التي كان من الصعب إسقاطها في البداية. وفي المقابل، كثفت كييف هذا العام من تطوير الحلول لمواجهة مثل هذه الهجمات، عبر الحرب الإلكترونية والطائرات المسيرة المضادة المسيرات وغيرها من الأساليب التشغيلية. وعلى نحو مماثل، يواجه نظام القبة الحديدية الإسرائيلي صعوبة في اعتراض طائرات “شاهد 136” الانتحارية الإيرانية لأنَّها تتمتع ببصمة رادارية منخفضة للغاية، بينما تمكنت القوات الأوكرانية من اعتراض العديد منها عندما استخدمتها روسيا على الجبهة.
تقدم الابتكارات الأوكرانية منخفضة التكلفة أيضًا حلًّا اقتصاديًّا للقوات الإسرائيلية التي تواجه معضلة تكاليف الأجهزة غير المتماثلة، حيث تستخدم حاليًّا صواريخ تبلغ كلفة الواحد منها عدة مئات الآلاف من الدولارات، لإسقاط الطائرات المسيرة التي يستخدمها حزب الله أو الحوثيون اليمنيون والتي تبلغ كلفة إحداها بضعة آلاف فقط من الدولارات.
تعاون استخباري
وفي الوقت نفسه، زاد الموساد في الأسابيع الأخيرة عدد موظفيه في كييف حيث ليس لديه حتى الآن سوى مكتب تمثيلي واحد، وبدأ ممثلو الموساد بعقد اجتماعات متزايدة مع أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، حيث يطرح الجانبان خياراتهما لتعزيز التعاون الثنائي.
يستعد الأوكرانيون مثلًا لتقديم كل ما لديهم من معلومات عن شركة “PA Pivdenmach (Yuzhmash)” الأوكرانية المصنعة للطائرات، والتي تأسست في خمسينيات القرن الماضي. تحتفظ الشركة بكل أسرار تصنيع منصات الإطلاق العابرة للقارات التي طورها الاتحاد السوفييتي وصمم مهندسوها حتى عام 2014 أحدث منصات الإطلاق، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تستهدف موسكو مواقع إنتاج الشركة منذ بداية الحرب في أوكرانيا في عام 2022 في محاولة لتدمير هذه الخبرات المتراكمة.
ولذا، يعتقد الأوكرانيون أنَّ الموساد قد يكون مهتمًا بأي عناصر من هذه التكنولوجيا التي قد تشاركها موسكو مع إيران، مما يمكن طهران من تطوير برنامجها الخاص من الصواريخ التي تطلق الآن على إسرائيل. وفي غضون ذلك، وعدت تل أبيب كييف بتقديم معلومات استراتيجية حصلت عليها من أروقة الكرملين، حيث يزعم الموساد أنَّ لديه مصادر خاصة هناك. وجدير بالذكر أنَّ العديد من المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا سيما الأوليغارشيين، لديهم علاقات جيدة مع إسرائيل
خيار متأخر
هذا التقارب العملياتي جديد تمامًا، فقد أخبر أحد الضباط الإسرائيليين الذين زاروا كييف مؤخرًا زميله الأوكراني قائلًا: “كان يجب أن نأتي قبل عام”.
منذ بدء الهجوم الروسي في فبراير 2022، حافظت إسرائيل على موقف متحفظ إلى حد ما تجاه أوكرانيا، حيث مُنعت شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية من بيع منتجاتها الهجومية لكييف. كما حرصت تل أبيب على الحفاظ على اتفاقيات تفادي الصراع مع موسكو في سوريا، والتي مكنت كلا الطرفين من إبقاء الصراع هناك عند مستوى مقبول. وفي المقابل، ذكّرت موسكو تل أبيب بقواعد اللعبة المتبعة في الساحتين السورية والأوكرانية.
ولكن التطورات في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023 غيرت الموقف. فقد أجبرت عمليات حزب الله والحوثيين، وصولًا إلى إطلاق طهران للصواريخ الباليستية على إسرائيل في 1 أكتوبر، الدبلوماسية الأمنية الإسرائيلية على تغيير نهجها وعادت شركات الأمن الإسرائيلية لتقديم خدماتها لأوكرانيا. وفي 6 أكتوبر، دعا السفير الإسرائيلي في كييف مايكل برودسكي الزعيم الأوكراني زيلينسكي للحضور إلى إسرائيل لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء نتنياهو.