
تواصل القيادة الأمريكية في إفريقيا “أفريقوم” محاربة الجماعات الجهادية وتسعى لمواجهة نفوذ الصين في القارة. لكنها لم تعد تُظهر نفس العزم على كبح النفوذ الروسي، بل قد تتعاون بشكل أكبر مع الأنظمة التي تستولي على السلطة عبر انقلابات عسكرية.
في أجواء من عدم اليقين، انعقد الاجتماع التقليدي للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) في نيروبي يومي 28 و29 مايو/أيار. أُنشئ هيكل القيادة، ومقره شتوتغارت بألمانيا، عام 2008 لتعزيز العلاقات بين الجيش الأمريكي وشركائه الأفارقة. لكنه قد يقع قريبًا ضحيةً لتخفيضات الميزانية الهائلة التي فرضتها إدارة دونالد ترامب. ومن المتوقع أن يتم حسم مصيرها خلال الأسابيع المقبلة في استراتيجية الدفاع الوطني التي يقوم مسئولو وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث بصياغتها.
في هذه الأثناء، تحاول القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا بقيادة الجنرال مايكل لانجلي تبني نهج متوافق مع أهداف الرئيس الأمريكي، في حين تسعى إلى التوافق مع بعض الأفكار التي طرحتها شخصيات مؤثرة في حاشيته ولها رأي في القضايا الإفريقية.
وقد انتقد العديد منهم، مثل جيه بيتر فام المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى منطقة الساحل والمرشح لتولي منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإفريقية، إدارة جو بايدن بسبب إحجامها عن التعاون مع المجالس العسكرية في منطقة الساحل، لكن البنتاغون يعمل على إعادة بناء العلاقات مع هذه الأنظمة.
وُجِّهت دعواتٌ لحضور مؤتمر نيروبي إلى رؤساء أركان المجالس العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. جاء هذا على النقيض من المؤتمر السابق الذي عُقد في بوتسوانا عام ٢٠٢٤، حيث اقتصرت الدعوة على نيامي. وقد بُرِّر هذا الاستثناء آنذاك بمحادثاتٍ بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري بقيادة عبد الرحمن تشياني حول انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.
رفضت مجموعة إبراهيم تراوري العسكرية دعوة واشنطن هذا العام، لكن باماكو أرسلت قائد الجيش، الجنرال هارونا سمكي، لحضور المؤتمر. ومثّل نيامي رئيس أركان القوات الجوية، العقيد أميرو عبد القادر.
رفع القيود الأمريكية في الأفق
زيارة هؤلاء المسؤولين رفيعي المستوى إلى نيروبي لا تعني بالضرورة انتهاء الإجراءات المفروضة بموجب المادة 7008، وهي قانون يُقيّد المساعدة التي يُمكن للولايات المتحدة تقديمها لدولة وصل نظامها إلى السلطة بانقلاب. رُفعت هذه القيود عن الجابون في أغسطس/آب الماضي، لكنها لا تزال ساريةً على مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا والسودان.
قد يؤدي النهج “البراغماتي” الذي يدعو إليه مستشارو ترامب إلى رفع قيود المادة 7008 عن بعض هذه الدول خلال فترة ولايته. ويبدو أنَّ (أفريكوم) قد توقعت هذا السيناريو، حيث أرسلت وفدًا من الخبراء القانونيين إلى باماكو في مارس/آذار لحضور ندوة مع نظرائهم الماليين. وكان ذلك أول تفاعل بين الجيشين الأمريكي والمالي منذ ما يقرب من خمس سنوات.
تماشيًا مع جهود إدارة ترامب، وإن كانت متعثرة، لبناء علاقات أوثق مع موسكو، غيّرت القيادة الأمريكية في إفريقيا موقفها من روسيا. أشار الجنرال لانغلي إلى روسيا كقوة منافسة في إفريقيا خلال شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في أبريل/نيسان. لكن أي إشارة إلى الوجود الروسي في القارة حُذفت بعناية من البيان الختامي. ذُكرت الصين، التي يعتبرها ترامب الخصم الرئيسي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، 18 مرة.
فضح المعلومات المضللة
يُمثل هذا تغييرًا جذريًّا عن عهد بايدن، حين نددت (أفريكوم) بتقدم مجموعة المرتزقة الروسية” فاغنر”، وعملت على كشف التضليل الإعلامي الروسي في القارة. إلا أنَّ القيادة الأمريكية، خلف الكواليس، حرصت على الحفاظ على توازن معين لتجنب أي تصعيد مع موسكو في إفريقيا.
في أعقاب هجومٍ أسفر عن مقتل 25 من القوات شبه العسكرية الروسية في تينزاوتين شمال مالي في يوليو/تموز 2024، دعا البنتاغون نظراءه الأوكرانيين سرًا إلى ضبط النفس. وزعمت كييف أنَّها سلّمت معلوماتٍ استخباراتية عسكرية إلى انفصاليين طوارق معارضين للقوات المسلحة المالية وحلفائها الروس.
رغم هذه التحولات، لا تزال (أفريكوم) تُعطي الأولوية لمحاربة الجماعات الجهادية النشطة في إفريقيا، وخاصةً في الصومال، حيث تكثفت الضربات ضد حركة الشباب في الأشهر الأخيرة، وكذلك في غرب إفريقيا. بعد نقل معظم طائراته المسيرة المتمركزة سابقًا في النيجر إلى معاقله في الصومال وجيبوتي، يسعى الجيش الأمريكي إلى نقل بعضها إلى دول ساحلية في خليج غينيا لوقف زحف الجماعات المسلحة من منطقة الساحل.
الخيار الأكثر تقدمًا حاليًّا هو ساحل العاج، حيث يناقش فريق الجنرال لانغلي مع إدارتها منذ عدة أشهر إنشاء قاعدة أمريكية في البلاد. كما تأمل (أفريكوم) في تعزيز وجودها في بنين، التي أُبرمت معها اتفاقية لوجستية تهدف إلى تعميق التعاون العسكري في مارس/آذار. لكن من غير المرجح أن يتمكن لانجلي من إكمال هذين المشروعين، حيث من المقرر أن يترك المنصب الذي يشغله منذ عام 2022 في الأشهر المقبلة.