مهدت ثقافة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الطريق لكارثة، ومن الممكن أن تؤدي حرب إقليمية إلى إحياء الشبح النووي الذي طارد العالم في عام 1973.
إنَّ الصدمة التي عانتها إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي لم يسبق لها مثيل ولا يمكن تصورها بأي مقياس تاريخي إسرائيلي، فلم يسبق لإسرائيل أن شهدت مثل هذه الكارثة في تاريخها الممتد 75 عامًا، حتى حماس لم تتوقع قط مثل هذا النجاح العملياتي، والواقع أنَّ الجهات الفاعلة في مختلف أنحاء المنطقة وأبرزها حزب الله وإيران، أصيبت بالذهول إزاء نجاح هجوم حماس.
إحدى النتائج المذهلة التي أصبحت معروفة في الأيام الأخيرة تسلط الضوء على فداحة الخطأ الاستخباري الإسرائيلي: لم يفكر المخططون العسكريون الإسرائيليون قط في مثل هذا الهجوم، حتى في أسوأ السيناريوهات، وفي الواقع كان السيناريو الأسوأ المتصور هو شن هجوم متزامن على خمس إلى سبع مستوطنات، بينما استهدف هجوم حماس ما يقرب من خمسة أضعاف هذا العدد، بالإضافة إلى مهرجان موسيقي.
إنَّ مفاجآت بهذا الحجم تعمل على تغذية البيئة التي قد تحدث فيها حسابات إستراتيجية خاطئة كبرى، وهو المرجح أن يحدث، ونظرًا للأعمال العدائية المستمرة من المهم أن نفهم الديناميكيات الداخلية داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي أدت إلى فشل الاستخبارات ومخاطر التصعيد غير المقصود، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ إسرائيل دولة تمتلك أسلحة نووية غير معلنة.
إنَّ جهازي الاستخبارات الرئيسيان في إسرائيل المكلفان بتوفير إنذار تحذيري إستراتيجي بالإضافة إلى إحباط هجمات مسلحة محددة من غزة هما جهاز الأمن العام (المعروف باسم الشاباك)، وهو المسؤول عن الاستخبارات البشرية، كما يستخدم الوسائل التقنية مثل استخبارات الإشارة وشعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة باسم “أمان” التابعة للجيش الإسرائيلي، التي تستخدم في الأساس وسائل تقنية لجمع المعلومات.
يعتمد نظام التحذير الإسرائيلي ضد الهجمات المسلحة الصغيرة أو الواسعة النطاق من غزة على ثلاث طبقات دفاعية رئيسية
الأول يتألف في الأساس من مصادر الاستخبارات البشرية في الشاباك، ويهدف إلى تقديم تحذير بأنَّ قيادة حماس قررت التخطيط والإعداد وتنفيذ هجوم كبير، أما الطبقة الثانية تستند إلى قدرات جمع استخبارات الإشارة التابعة لأمان (الوحدتان 8200 و81) والصور الاستخبارية (الوحدة 9900)، وتختص بجمع الأدلة حول الاستعدادات الفعلية لحماس لشن هجوم.
أما الطبقة الثالثة فهي الجدار العازل الأرضي الكبير على طول الحدود مع غزة، الذي يضم عوائق مادية وأجهزة استشعار إلكترونية ووسائل بصرية أخرى تهدف إلى توفير خط دفاع أخير ضد أي محاولة لاقتحام إسرائيل.
لقد انهارت الطبقات الثلاث صباح يوم 7 أكتوبر، ولم تقدم أي تحذير إستراتيجي بشأن طبيعة وحجم الهجوم الوشيك، ويبدو أنَّ جذور هذا الخطأ الفادح تكمن في إخفاقين أساسيين؛ الأول مفاهيمي كما كان الحال في عام 1973 عبر تقديم تقدير مشترك خاطئ، لكنه ثابت وراسخ من الشاباك وأمان يتألف من عنصرين، أولًا: إنَّ التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي من شأنه أن يردع حماس عن الشروع في أي عمل عسكري كبير، وثانيًا: إذا شنت حماس مثل هذا الهجوم، فإنَّ الشاباك وأمان سيقدمان تحذيرًا في الوقت المناسب.
لقد أدى ضبط النفس النسبي الذي أبدته حماس في السنوات الأخيرة واهتمامها الواضح بمواصلة تدفق الأموال من قطر وزيادة عدد سكان غزة المسموح لهم بالعمل في إسرائيل، إلى تعزيز هذا المفهوم في النفسية الجماعية للقادة السياسيين والعسكريين والاستخباراتيين في إسرائيل.
إنَّ الالتزام بمفهوم التهدئة دفع كبار الضباط إلى تجاهل المؤشرات التحذيرية قبل الهجوم، فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، شاهد هواة من المدنيين بالقرب من الحدود الاتصالات اللاسلكية لحماس، حيث نظمت القوات وأجرت تدريبات متكررة على احتلال المستوطنات الإسرائيلية.
وفي الأسابيع الأخيرة تلقى الضباط الإسرائيليون تقارير عن أنشطة غير معتادة مثل قيام مزارعين فلسطينيين متنكرين بالتقاط صور للسياج الحدودي، لعناصر حماس رفقة خرائط وهم يراقبون المواقع العسكرية والمستوطنات على الجانب الإسرائيلي، لكنهم تجاهلوا هذه التقارير.
كانت هناك فرصة قبل 11 ساعة لردع الهجوم أو التقليل منه، ففي ليلة 6 أكتوبر اكتشفت الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التحذيرية التي أدت إلى سلسلة من المشاورات رفيعة المستوى في وقت متأخر من الليل، لكن المفهوم المعيب هو الذي ساد ولم تتخذ أي زيادة كبيرة في حالة التأهب على طول الحدود؛ وأرسل الشاباك عددًا قليلًا من العملاء الإضافيين إلى الجنوب، لكن مدير أمان اللواء أهارون هاليف، واصل إجازته في إيلات ولم تحدث أي عمليات انتشار كبيرة.
الفشل الثاني والأكثر إثارة للدهشة هو فشل تجميع المعلومات، ويبدو أنَّ الشاباك فشل في مهمته الأساسية، ولم يقدم أي تحذير مهم بشأن نية حماس شن هجوم كبير، وقد أعلن مديره رونين بار في 16 أكتوبر تحمله المسؤولية عن هذا الفشل وتبعه زميله مدير “أمان” بعد فترة وجيزة.
رصيد الإنجازات للشاباك، ففضلًا عن حقيقة أنَّ عدد نشطاء حماس المطلعين على العملية السرية كان كبيرًا إلى حد ما ساهم في مضاعفة الفشل، وعلى الرغم من الصعوبات المعروفة جيدًا في تجنيد مصادر بشرية في الجماعات الأصولية الإسلامية، فإنَّ الافتقار إلى أي معلومات مسبقة من الأصول الاستخبارية في غزة أمر مدمر.
هناك تفسيرات أخرى تتعلق بسمات محددة للشاباك، والأهم من بينها هو ثقافته التنظيمية التي تؤكد على العمليات والحاجة إلى درء التهديدات الملموسة بدلًا من تقديم تحذيرات مجردة ضد هجوم شامل. إنَّ إحدى نتائج هذه الثقافة وَفقًا للعديد من عملاء الشاباك المتقاعدين الذين تحدثنا إليهم، هي إعطاء مرتبة منخفضة في ترتيب أولويات الجهاز لاحتمال شن حماس محاولة واسعة النطاق لاقتحام المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود.
السبب الآخر هو تدهور القدرات البحثية للشاباك، لقد جرى تأسيس قسم أبحاث كبير في أواخر الثمانينيات من أجل تقديم التقييمات الإستراتيجية، وبسبب التفضيلات التنظيمية فقد القسم فعاليته في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك وعلى النقيض من تقليده القديم، اتجه الشاباك مؤخرًا إلى تقديم معلومات استخباراتية لدعم تقديراتها سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرامية إلى تعزيز حكم حماس في غزة وتقليص قوة ونفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
لا يُعرف الكثير عن حجم مساهمة الاستخبارات العسكرية “أمان” في الفشل، لكن يبدو أنَّها عانت الضعف الشهير المتمثل في عدم ربط المعلومات معًا، وذلك في المقام الأول بسبب وجود عدد كبير جدًّا من المحللين وعدم التكامل الكافي. ومن الواضح أنَّ تدريبات حماس لاقتحام المستوطنات الإسرائيلية -كما هو موضح على سبيل المثال من قبل شبكة سي إن إن- روقِبَت جيدًا من الطائرات دون طيار الإسرائيلية وغيرها من وسائل جمع المعلومات، ومع ذلك فشل محللو “أمان” في التعرف على معناها الحقيقي واعتبروها بدلًا من ذلك تدريبات استعراضية، ووَفقًا لبعض التقارير، ضللت حماس وسائل جمع استخبارات الإشارة الإسرائيلية وخدعتها من خلال التحدث في مكالمات تراقبها الوحدة 8200 -وربما الوحدة 81 والشين بيت- حول حرصهم على تجنب حرب جديدة، وهو ما يكشف عن مستوى متطور من الخداع أعلى بكثير مما كان متصورًا في السابق.
أما خط الدفاع الأخير وهو الجدار الذي يبلغ طوله 40 ميلًا على طول الحدود، فقد وفّر للإسرائيليين شعورًا زائفًا بالثقة، عندما كشف الجيش الإسرائيلي عن هذا المشروع الذي تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار عند اكتماله في ديسمبر 2021، أعطى الانطباع بأنَّه لن يتمكن أي مسلح من عبوره، وكان العنصر الرئيسي فيه هو بناء حاجز ضخم مضاد للأنفاق مع ما يكفي من الأسمنت “لبناء طريق من غزة إلى بلغاريا” على حد تعبير الجيش الإسرائيلي، وقد أثبت هذا الجزء الموجود تحت الأرض من الجدار فعاليته في 7 أكتوبر.
بالإضافة إلى الأسمنت الموجود تحت الأرض، استثمر مخططو المشروع جهودهم في توفير حماية سيبرانية فعالة لنظام التجميع الإلكتروني الموجود على السياج، لكنهم لم يأخذوا في الاعتبار السيناريو الذي تستخدم فيه حماس متفجرات لتحطيمه والطائرات دون طيار لإسقاط المتفجرات على نقاط المراقبة المتطورة التي تنقل المعلومات الاستخبارية البصرية إلى شاشات الجنود الذين يخدمون في ملاجئ تحت الأرض (بعض هؤلاء الجنود والعديد منهم من النساء قُتلوا أثناء نومهم بعد أن اخترقت حماس الحدود وهاجمت قواعدهم العسكرية).
كذلك دمرت الطائرات دون طيار ما يقدر بنحو 100 برج رشاش يعمل عن بعد، لا يمكن للمرء أن يفهم هذا الخطأ بالنظر إلى العديد من مقاطع الفيديو الحربية من أوكرانيا، التي تظهر كيف استخدم الأوكرانيون الطائرات دون طيار لإسقاط قنابل يدوية على الدبابات والجنود الروس.
استخدم الجيش الإسرائيلي أيضًا ثلاث بالونات مراقبة كبيرة كمنصات للخط الثاني لمراقبة غزة في قطاعاتها الجنوبية والوسطى والشمالية، وفي الأسابيع التي سبقت الهجوم أُخرجت البالونات الثلاثة من الخدمة بسبب تفعيلها في ظروف جوية غير مناسبة، لكن الجيش أهمل إعادتها إلى الخدمة.
رغم أنَّ عدم كفاية الاستخبارات التحذيرية العالية الجودة هي السبب الرئيسي للرضا القاتل الإسرائيلي عن النفس، فلا ينبغي للمرء أن يتجاهل دور الافتقار إلى الخيال، وهو ما أبرزه تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، فمن الواضح أنَّه نظرًا لقدرات حماس وقرب المستوطنات الإسرائيلية من الحدود، لم يكن هذا السيناريو بعيد المنال كما كان الحال مع هجوم 11 سبتمبر الذي شنه تنظيم القاعدة باستخدام طائرات مختطفة. إن الافتقار إلى الخيال ساهم في فشل عملية جمع المعلومات، وعدم كفاية عملية جمع المعلومات عزز الاعتقاد بأنَّ هجومًا شاملًا من جانب حماس أمر غير مرجح إلى حد كبير، وبالتالي خلق حالة كلاسيكية من الفشل المنهجي.
نظرًا لضخامة الهجوم الذي نفذته حماس، فإنَّ الحكومة الإسرائيل ومواطنيها عازمون على تحقيق ما لا يقل عن الاستئصال الكامل لقوة حماس العسكرية والمدنية، ومن المعترف به أيضًا داخل وخارج الحكومة الإسرائيلية، أنَّ الالتزام بالإبادة الكاملة لحماس كمنظمة أمر غير مسبوق، وكما أشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك وآخرون، فإنَّ هذا الالتزام ربما يكون غير قابل للتنفيذ.
إنَّ مثل هذا الالتزام يخلق مخاطر غير عادية، وحتى كتابة هذه السطور شنت إسرائيل حربًا فقط على طول الحدود التي يبلغ طولها 40 ميلًا التي تفصل غزة عن إسرائيل، لكن إسرائيل تواجه أيضًا حدودًا ذات شقين في الشمال – حوالي 80 ميلًا مع حزب الله على طول الحدود اللبنانية وأكثر من 40 ميلًا على طول مرتفعات الجولان مع سوريا. وفي الوقت الحالي لا تزال الحدود الشمالية متوترة، لكن الأمور قد تتصاعد بسرعة كبيرة إلى حرب واسعة النطاق.
إنَّ حزب الله كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي في 18 أكتوبر، أقوى بعشر مرات من حماس، ويدعي أنَّه يقود 100 ألف مقاتل ويمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف بعضها دقيق للغاية، ويمكنها أن تستهدف كامل إسرائيل لتلحق أضرارًا جسيمة بالمدن الكبرى والمنشآت العسكرية. وهناك أيضًا شبح إيران الذي يلوح في الأفق، ففي 14 أكتوبر حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إسرائيل أثناء زيارته لبيروت من وقف قصفها لغزة أو مواجهة “زلزال ضخم”.
لا أحد يعرف ما إذا كان حزب الله -وربما إيران- سيبقى على الهامش أثناء الهجوم الإسرائيلي المطول والمدمر على غزة للقضاء على حماس، ومن ناحية أخرى وبعد الصدمة الناجمة عن فشلها في الكشف عن الهجوم الذي شنته حماس، أصبحت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الآن شديدة الحساسية تجاه أي إشارة تشير إلى وجود تهديد مماثل، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من الإنذارات الكاذبة في الأيام الأخيرة.
لقد كان هذا هو الحال بعد خطأهم الفادح في عام 1973، عندما أصدروا عددًا من الإنذارات بهجوم مصري أو سوري قادم، كما ورد في المذكرات العبرية للواء موتا غور رئيس القيادة الشمالية بعد الحرب، ومع ذلك هناك شيء واحد واضح: التصعيد الشامل المتعمد أو غير المتعمد بين إسرائيل وحزب الله مع إيران أو دونها، يمكن أن يولد سيناريوهات حرب تتسم بشراسة ووحشية لم تشهدها المنطقة من قبل.
إنَّ هذا الخطر الكبير وغير المؤكد هو الذي يسلط الضوء على بروز العامل الأمريكي في المعادلة الحالية وهنا يوجد تذكير؛ فقبل خمسين عامًا في السابع من أكتوبر وهو أسوأ يوم في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، طلب وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان من رئيسة الوزراء جولدا مائير لتفعيل جاهزية الأسلحة النووية الإسرائيلية للاستعراض، ويزعم البعض بما في ذلك سيمور هيرش في كتابه “خيار شمشون” أنَّ قرار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 12 أكتوبر 1973، ببدء جسر جوي فوري إلى إسرائيل، اتخذ بسبب التنبيه النووي الإسرائيلي.
لقد أدرك الرئيس الأمريكي جو بايدن الطبيعة غير المسبوقة للوضع وأمر على الفور المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد” بالإبحار نحو الشواطئ الإسرائيلية، بينما بدأ أيضًا جسرًا جويًّا للإمدادات العسكرية إلى إسرائيل، والآن وبعد أكثر من أسبوع، فإنَّ مجموعة حاملة الطائرات الضاربة الثانية يو إس إس أيزنهاور في طريقها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
لم يحدث قط في أي حروب إسرائيلية سابقة أن تصرفت الحكومة الأمريكية بمثل هذا الحسم والسرعة كما تصرفت هذا الأسبوع، فلا شك أنَّ دعم بايدن لإسرائيل غير مسبوق، وهو مزيج فريد من القيم والمصالح والمشاعر والمتطلبات الإستراتيجية، فعلى الجانب الاستراتيجي الهدف واضح تمامًا وهو الردع، ولذا حذر بايدن بنفسه حزب الله وإيران، قائلًا “لا تتدخلا لا تتدخلا لا تتدخلا”.
ولكن ربما يكون هناك اهتمام إستراتيجي آخر، على الرغم من أنَّ واشنطن نادرًا ما تذكر ذلك، فإنَّ إسرائيل هي دولة تمتلك أسلحة نووية من نوع خاص، ولم تعلن رسميًّا أو تختبر ترسانتها علنًا ولأكثر من نصف قرن، بنت إسرائيل وحافظت على وضع نووي فريد ومبهم، مما أدى فعليَّا إلى خلق احتكار نووي إقليمي يهدف إلى ردع التهديدات الوجودية. لقد تعامل جميع القادة الإسرائيليين السابقين مع هذا الأصل الإستراتيجي باعتباره مقدسًا، في حين قبلت الولايات المتحدة ضمنيًّا منذ نيكسون الوضع النووي الفريد لإسرائيل ما دام روعي رعاية مسؤولة، لكن على مدى الأشهر العشرة الماضية تعامل نتنياهو مع هذا الإرث بتجاهل، بل وحتى بعدم مسؤولية وعيَّنَ السياسي ديفيد أمسالم وهو من الموالين غير المؤهلين، وزيرًا مسؤولًا عن الشؤون اليومية لهيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية.
مؤخرًا وخلافًا لنصيحة خبرائه النوويين، نظر نتنياهو في مقترح منح السعودية قدرة مستقلة على تخصيب اليورانيوم – وهو ما ينطوي كما هو الحال في أي دولة على خطر التسلح النووي، وذلك مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل حربًا في غزة، هناك خطر حقيقي يتمثل في احتمال قيام حزب الله بإطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وهذا بدوره يمكن أن يولد مواقف ينحرف فيها الوزراء المتهورون وعديمي الخبرة في ردود أفعالهم، فقبل بضعة أيام فقط حث تالي جوتليف أحد المشرعين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين من حزب الليكود الحكومة علنًا على استخدام كل ما في ترسانتها، بما في ذلك أسلحة “يوم القيامة” ضد حماس.
وفي مثل هذه اللحظة، لا يستطيع المرء أن ينسى الوضع النووي الفريد الذي تتمتع به إسرائيل، وربما يدرك بايدن بسبب الحرب في أوكرانيا، جدية وهشاشة المحرمات النووية العالمية؛ ربما أكثر من الزعماء الأميركيين السابقين. ويتساءل المرء عما إذا كان السبب الضمني الآخر لتدخل بايدن غير المسبوق -بما في ذلك انتشاره البحري وزيارته رفيعة المستوى إلى إسرائيل في 18 أكتوبر- هو التأكد من عدم تحطيم هذا المحظور.
الكتاب: يوري بار جوزيف وآفنر كوهين
