استراتيجيتحليلات

حظر تخصيب اليورانيوم الإيراني: تصعيد أمريكي أم تكتيك تفاوضي؟

الحدث

أعلنت إدارة ترامب، على لسان مبعوثها إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أنَّ تخصيب إيران لليورانيوم يمثل “خطًا أحمر واضحًا”، مشددة على أنَّه لا يمكنها السماح لإيران بالاحتفاظ حتى بنسبة 1%” من قدرتها على التخصيب. في المقابل ردت طهران على لسان وزير خارجيتها برفض قاطع للمطلب الأمريكي معتبرة إياه بعيدًا عن الواقع. وأعرب مرشد الثورة علي خامنئي عن رفضه صراحةً الطلب الأمريكي خلال خطاب ألقاه في 20 مايو/ أيار، وهي المرة الأولى التي يناقش فيها خامنئي علنًا المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران منذ أن بدأت في 12 أبريل/ نيسان الماضي.

التحليل

منذ عودته إلى البيت الأبيض مطلع 2025، تبنى دونالد ترامب سياسة خارجية أكثر هجومية تجاه إيران، مقارنة بولايتِه الأولى، فلم يقتصر على “الضغط الأقصى” بغرض دفع إيران لتفاوض أكثر شمولًا، بل بدا أكثر قربًا من محاولة استئصال البنية التحتية النووية الإيرانية.

إنَّ تصريحات ويتكوف حول رفض “نسبة 1%” من التخصيب تعني فعليًّا إزالة حق إيران في أي برنامج نووي ذي طابع سلمي، وهو ما يتجاوز حتى مطالب بعض الأصوات المتشددة داخل واشنطن. هذا التحول لا يمكن فهمه خارج حسابات إدارة ترامب السياسية، إذ تسعى لتعزيز سردية “الحزم والردع” في مواجهة إيران، خصوصًا بعد الانتقادات التي وُجهت لها إثر وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، والذي اعتبره بعض الجمهوريين “تنازلًا مجانيًّا”.

تحمل اللهجة الأمريكية الجديدة أيضًا بعدًا رمزيًّا يتمثل في محو أي بقايا لإرث الرئيس السابق جو بايدن، الذي حاول استعادة الاتفاق النووي الأصلي (JCPOA) لعام 2015. ويبدو أنَّ إدارة ترامب تحرص على الإشارة إلى أنَّ الزمن الذي كانت تُقبل فيه حدود التخصيب المنصوص عليها في الاتفاق قد انتهى، وأنَّ واشنطن تحرص على سياسة “صفر تخصيب”.

في المقابل، جاء الرد الإيراني عبر وزير الخارجية عباس عراقجي حاسمًا: “التخصيب حق سيادي غير قابل للنقاش”. لكنّ لهجة عراقجي، وإن بدت متصلبة، لا تنفي مرونة تكتيكية أبدتها طهران مرارًا في ملفات مشابهة. فهي تدرك أنَّ تشدد ترامب قد يكون جزءًا من مناورة تفاوضية قبل تقديم تنازلات محسوبة لاحقًا. وعليه، فإنَّ الرفض الإيراني لا يعني انسداد الأفق، بل قد يمثل محاولة لرفع سقف التفاوض في انتظار انكشاف نوايا واشنطن الحقيقية. ولذا تعكس التصريحات الإيرانية توازنًا دقيقًا بين الخطاب السيادي للاستهلاك المحلي، ومرونة ضمنية في الكواليس.

تبدو واشنطن غير مستعدة لتقديم تنازلات، بينما طهران ليست في موقف داخلي يسمح لها بقبول اتفاق يبدو استسلامًا. ويُبقي هذا السيناريو برنامج إيران في حالة تطوير هادئ، ويُبقي الولايات المتحدة في وضع “الردع بالخطوط الحمراء” دون آليات تنفيذية واضحة.

وفي حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وباتت واشنطن مقتنعة أنَّ إيران تقترب فعليًّا من مستوى الاختراق النووي، فقد تلجأ إدارة ترامب إلى الخيار العسكري، سواء بشكل مباشر أو عبر إسرائيل. إلا أنَّ هذا السيناريو يحمل مخاطرة عالية بانفجار إقليمي.

تكشف التصريحات الأمريكية الأخيرة عن تشدد مفاجئ في ملف تخصيب اليورانيوم. أما طهران فلم تغلق الباب نهائيًّا أمام الحلول المرحلية. وفي ظل تصلب المواقف يبدو أنَّ المسار التفاوضي يتجه نحو جمود قابل للانفجار أو إعادة التدوير، لا إلى اتفاق شامل. وفي غياب رؤية استراتيجية متماسكة من الطرفين، يظل حق التخصيب هو العقدة الكبرى في أي تفاهم نووي قادم.

أحمد مولانا

ماجستير علاقات دولية، باحث في مجال الدراسات الأمنية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى