القمة الرئاسية التركية الإيرانية: السياق والدلالات
استقبل الرئيس التركي أردوغان في 24 يناير 2024 نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في أنقرة لعقد الاجتماع الثامن لمجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين، وشهدا توقيع 10 اتفاقيات تعاون أغلبها تتعلق بالملفات الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن مذكرة تفاهم بين أكاديمية الشرطة التركية وجامعة أمين للشرطة في إيران، ومذكرة أخرى بشأن تعيين ضباط أمن مسلحين على متن خطوط الطيران بين البلدين.
يشير الحرص على عقد الاجتماع بين أردوغان ورئيسي إلى أهميته بالنسبة لهما، فقد سبق أن تأجل مرتين، الأولى صبيحة الموعد المقرر للاجتماع بسبب تردي الأوضاع الجوية، والثانية إثر تفجيرات مدينة كرمان بإيران التي أسفرت عن مقتل 95 شخصًا على الأقل.
على الرغم من المنافسة الجيوسياسية الحادة بين البلدين في سوريا والعراق وجنوب القوقاز وصولًا إلى آسيا الوسطى، فقد حافظت تركيا وإيران على التواصل والتنسيق فيما بينهما، وفصلتا العلاقات الثنائية المتنامية في مجالي الطاقة والتجارة عن القضايا محل الخلاف. فتركيا تعتمد على الغاز والنفط الإيراني كثاني أبرز مصادر الطاقة المستوردة، فيما تمثل تركيا لإيران بوابة إلى أوروبا، حيث تمر أكثر من خُمس التجارة البرية الإيرانية عبر الأراضي التركية، فضلًا عن أهمية تركيا لإيران في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها.
توجد ملفات أمنية تتقاطع فيها مصالح البلدين، ومن بينها وقف العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، وتعزيز التعاون في مكافحة تنظيم داعش، الذي تبنى في يناير 2024 تنفيذ هجمات في كرمان بإيران، فضلًا عن تبنيه هجوم على كنيسة “سانتا ماريا” الإيطالية في إسطنبول ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين، كذلك توجد المخاوف المشتركة بشأن النزعة الانفصالية الكردية، التي تتجلى في حزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا، وذراعه في إيران حزب الحياة الحرة في كردستان “بيجاك”.
تسعى أنقرة إلى دفع طهران لكبح جماح الميليشيات الشيعية المنتشرة في محافظة نينوى، التي تتعاون مع حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار كما تستهدف أحيانًا القواعد العسكرية التركية في شمال العراق، فيما تريد طهران من تركيا مراعاة مصالحها مع أرمينيا، في ظل دعم تركيا لأذربيجان في فتح ممر زانجيزور أمام حركة النقل البري، وهو ما سيؤثر في الاتصال البري بين إيران وأرمينيا، ويقطع انفتاحها شمالًا باتجاه جنوب القوقاز وأوروبا.
رغم المصالح المشتركة، فإنَّ لدى أنقرة وطهران شكوكًا متبادلة حول طموحات كل منهما للهيمنة على محيطهما الإقليمي، فضلًا عن تقاطع العلاقات بينهما مع متطلبات الشراكة مع القوى الكبرى مثلما هو الحال في عضوية تركيا بالناتو. ولذا تلعب القمم الرئاسية دورًا جوهريًّا في مراعاة الشواغل الأمنية لكل منهما، وإدامة قنوات الاتصال التي ترسم خطوطًا حمراء واضحة للمواقف التي يعتبرها كل منهما عدائية. فيما تساهم الشراكة التجارية في تهدئة الخلافات الأمنية والسياسية ووضعها ضمن إطار يمنع اتساعها.