أمنسياسيعسكريمقالات

هل تحسم الحكومة السورية ملف السويداء؟

عادت محافظة السويداء لتتصدر واجهة الأحداث والأخبار في الأيام القليلة الماضية، عقب اندلاع اشتباكات ومواجهات بين مجموعات تنتمي إلى العشائر البدوية من جهة، والفصائل الدرزية التابعة للمجلس العسكري في السويداء، تحت قيادة شيخ العقل حكمت الهجري، من جهة أخرى. وقد أسفرت هذه المواجهات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، ما استدعى تدخل الدولة السورية بوحداتها العسكرية وأجهزتها الأمنية لمحاولة احتواء الموقف وإنهاء النزاع. فما الأسباب التي أدت إلى ما جرى؟ وإلى أين يتجه المشهد في هذه المحافظة ذات الخصوصية من حيث الطبيعة الجبلية والتركيبة السكانية؟

جذور الأزمة

يشكّل الموحدون الدروز أغلبية السكان في محافظة السويداء، فيما تبلغ نسبة البدو نحو ٣٪، والمسيحيين نحو ٧٪ من مجموع السكان. ويسكن أبناء العشائر البدوية في بعض أحياء مدينة السويداء، وينتشرون في عدة قرى على الأطراف الشمالية والغربية من المحافظة.

عاشت هذه المكونات فترات طويلة من السلم الاجتماعي، ونشأت بينها علاقات اقتصادية واجتماعية، إلا أن التوترات والاضطرابات بين الدروز وجيرانهم من البدو كانت تتكرر نتيجة عاملين رئيسيين:

  • الأول: النزاع حول مناطق رعي البدو في المناطق المحاذية للقرى الدرزية.
  • الثاني: استخدام السلطات السياسية للعشائر البدوية في ضبط وإخماد الثورات التي يقوم بها الدروز في السويداء ضد السلطات الحاكمة. فمنذ عهد البعث، عملت السلطات على استقطاب العشائر البدوية وتجنيدها لصالح الدولة عند حدوث اضطرابات أو تمردات بين صفوف الدروز.

ولا يخفى على كثير من السوريين ما جرى في بداية عهد بشار الأسد عام ٢٠٠٠، فيما عُرف حينها بـ”أحداث البدو”، حيث وقعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة بين الدروز وأبناء العشائر البدوية، عقب مقتل مزارع درزي على يد بعض أبناء العشائر. وتدخلت القوات العسكرية والأمنية السورية آنذاك لإخماد الاشتباكات وإنهاء الفوضى.

وفي سنوات الثورة السورية، وقعت صدامات وعمليات خطف متبادلة بين العشائر والمجموعات المحلية الدرزية. واتهمت الفصائل الدرزية النظام السوري بالسعي لإشعال فتنة طائفية بين العشائر والدروز، لتوفير ذريعة تمكّنه من الضغط على الدروز وإجبارهم على الخضوع، لا سيما فيما يتعلق بالتحاق الفارين من الخدمة العسكرية، وفرض هيمنة أوسع على المحافظة.

ما بعد سقوط الأسد


بعد سقوط النظام السوري، تباينت مواقف الفصائل الدرزية في السويداء من الحكومة الجديدة، بين مؤيد لها ومعارض لدخولها إلى المحافظة. وبقيت السويداء خارج سيطرة الدولة السورية، وتشكّل فيها ما يُعرف بـ”المجلس العسكري في السويداء” بقيادة الشيخ حكمت الهجري، الذي أعلن رفضه التعاون مع حكومة دمشق ووصفها بـ”الإرهابية”، كما عبّر عن رغبته في إدارة المحافظة بشكل ذاتي، وسعى إلى تحصيل اعتراف دولي.

في المقابل، تتهم الحكومة السورية حكمت الهجري والقوات الموالية له بالارتباط بدول معادية، وعلى رأسها إسرائيل، التي باتت تُعدّ فاعلًا أساسيًا في الجنوب السوري. وفي أبريل/نيسان الماضي، شهدت مدن جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، حيث تقطن غالبية درزية، مواجهات بين القوات الأمنية الحكومية وبعض الفصائل الدرزية.

وعلى إثر تلك المواجهات، حاولت الفصائل الدرزية في السويداء إرسال تعزيزات وأرتال عسكرية لمؤازرة الفصائل الدرزية في ريف دمشق، إلا أن مجموعات من العشائر البدوية تصدت لها، ونصبت كمائن على طريق دمشق–السويداء، أجبرتها على التراجع بعد تكبيدها خسائر بشرية ومادية كبيرة، مما زاد من حدة الاحتقان بين الطرفين.

وفي سياق تلك الأحداث، تدخل الطيران الإسرائيلي ونفذ عدة ضربات على مواقع أمنية بمحيط أشرفية صحنايا، في محاولة لإيقاف تقدم القوات الحكومية. لكن المعركة حُسمت لصالح الحكومة السورية، بعد استسلام الفصائل الدرزية وتسليمها السلاح والمطلوبين للأجهزة الأمنية.

الأحداث الأخيرة

عقب قيام مجهولين بسلب سيارة لتاجر درزي يعمل في بيع الخضار على طريق دمشق–السويداء، ردّت الفصائل الدرزية بخطف عدد من أبناء العشائر، لتبدأ بعدها عمليات خطف متبادلة تصاعدت سريعًا. وهاجمت الفصائل الدرزية حي “المقوس” في مدينة السويداء، حيث تقطن عائلات بدوية، لتحرير عشرة من أبناء الدروز قالت إنهم محتجزون لدى البدو. وامتدت الاشتباكات إلى الأطراف الشمالية والغربية للمحافظة، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.

أصدرت وزارة الداخلية بيانًا أكدت فيه أن الأحداث تعكس “غياب مؤسسات الدولة وتفاقم حالة الفوضى والانفلات الأمني”، بينما أعلنت وزارة الدفاع إرسال قوات عسكرية لفض النزاع وتأمين ممرات آمنة للمدنيين. لكن الفصائل الدرزية استهدفت هذه القوات ونصبت كمائن أوقعت قتلى وجرحى وأسرى في صفوفها.

وردّت وزارة الدفاع بإرسال أرتال عسكرية مزودة بأسلحة ثقيلة إلى مناطق الاشتباكات، وأعلنت بدء عملية عسكرية تهدف إلى إنهاء الفوضى وملاحقة الفصائل المسلحة، وفرض السيطرة الكاملة على المحافظة.

وقد حققت القوات الحكومية تقدمًا سريعًا في الريفين الشمالي والغربي، وتمكنت من دخول مدينة السويداء، مركز المحافظة. إلا أن الطيران الإسرائيلي عاد وتدخل عبر قصف تجمعات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع، وشن ضربات جوية على الأرتال العسكرية القادمة من دمشق لمنعها من الوصول إلى مناطق الاشتباك. ويعكس ذلك التزام إسرائيل بحماية الدروز السوريين، ومنع القوات الحكومية من التوسع جنوبًا.

ختامًا
يبدو أن الحكومة السورية قد حسمت قرارها بالمضي نحو فرض السيطرة الكاملة على السويداء، وإنهاء أي وجود مسلح خارج إطار الدولة، بعد سنوات من تركها كمنطقة شبه خارجة عن السيطرة. لكن هذا الحسم لا يعني بالضرورة أن الاستقرار بات وشيكًا، في ظل استمرار الاشتباكات، وغياب تفاهمات محلية شاملة، ووجود قوى خارجية على رأسها إسرائيل، التي أصبحت اليوم فاعلًا مباشرًا في معادلة الجنوب السوري.

فدخول إسرائيل العلني على خط المواجهة، عبر استهداف الأرتال العسكرية السورية، يشير إلى تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك، ويعكس سعيها لحماية ما تعتبره “عمقًا اجتماعيًا وأمنيًا” ضمن الطائفة الدرزية. لكن هذا التدخل يتجاوز مجرد الحرص على الدروز، ويدخل ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى كبح نفوذ الجيش السوري ومنع ترسيخ أي سيطرة مركزية قد تسحب أوراقًا من يد تل أبيب. وعليه، فإن معركة السويداء لا تُختزل في صراع محلي على السيطرة، بل باتت ساحة تجاذب إقليمي، تتقاطع فيها حسابات الدولة السورية مع خطوط ردع إسرائيلية آخذة في التصعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى