الحوثيون: موقف عصي على الكسر

وسط حرب طاحنة تكتسح المنطقة، وغارات مدمرة تستهدف البشر والحجر بالأخص في غزة، وعمليات اغتيال طالت قادة بارزين في المحور المناهض لإسرائيل مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار وحسن نصر الله، وتهديدات يصدرها ترامب بفتح أبواب الجحيم، ما زال عبد الملك الحوثي يطل برأسه متعهدًا بمواصلة دعم غزة واستهداف السفن الإسرائيلية المارة بالبحر الأحمر، وإطلاق الصواريخ البالستية على كيان الاحتلال.
وفي المقابل بدأ الجيش الأمريكي منذ منتصف مارس 2025 بشن عملية عسكرية مختلفة عن العمليات التي شنها في عهد بايدن، إذ طالت الهجمات قيادات حوثية ومناطق سكنية فضلًا عن الأهداف العسكرية، في ظل حديث عن تجهيزات لعدة مكونات يمنية، استعدادًا لشن هجوم بري بغطاء جوي أمريكي يستهدف إبعاد الحوثيين عن ساحل اليمن الغربي المطل على البحر الأحمر.
الاشتباك بين الحوثيين وإدارة بايدن
يسيطر الحوثيون على نحو 28 % من مساحة اليمن، بما في ذلك صنعاء ومناطق أخرى ذات كثافة سكانية مرتفعة فضلًا عن مناطق تطل على ساحل البحر الأحمر مثل الحديدة، بينما يسيطر خصومهم من الفرقاء اليمنيين على 72% من مساحة البلد بحسب أحدث تقارير مجموعة الأزمات الدولية عن اليمن، وذلك تحت لافتات متعددة مثل “مجلس القيادة الرئاسي”، وألوية العمالقة، والحرس الجمهوري، والمجلس لانتقالي الجنوبي.
يتمتع الحوثيون برصيد خبرة عسكرية اكتسبوها خلال حربهم الطويلة ضد قوات التحالف العربي منذ عام 2015، ففي مواجهة الطائرات السعودية والإماراتية طور الحوثيون بدعم إيراني صواريخ بالستية وطائرات مسيرة وأنظمة دفاع جوي من أجل استخدامها في حربهم “غير المتماثلة”، فأدخلوا الطائرات المسيرة في الخدمة منذ عام 2016 عبر طائرات صماد 1 بمدى 500 كيلومتر، ثم استخدموا مؤخرا طائرات “يافا” التي يبلغ مداها 2000 كيلو متر، فيما كشفوا لأول مرة عن حيازتهم لصواريخ باليستية مضادة للسفن أثناء عرض عسكري نظموه في عام 2022، بحسب دراسة نشرها معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية البريطاني IISS.
وظف الحوثيون جغرافيا اليمن في تدشين مخازن للأسلحة في أعماق الجبال وفي أنفاق تحت الأرض، كما أخفوا منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وسط الجبال والمناطق الوعرة، وعملوا على بناء منشآت لتصنيع محركات الصواريخ والرؤوس الحربية محليًّا، بحيث استوردوا من إيران الأجزاء الأصغر حجمًا والأكثر تقنية لتجميع الصواريخ على الأراضي اليمنية في ظل صعوبة تهريبها بحجمها الضخم عبر البحر أو برًا من إيران إلى اليمن.
مع بدء الحرب على غزة، انخرط الحوثيون في المعركة عبر مراحل متدرجة، وفقا لمستوى العدوان الإسرائيلي على القطاع، ففي 19 أكتوبر 2023 أطلقوا أربعة صواريخ كروز و15 طائرة دون طيار باتجاه إسرائيل، لكن أسقطتها المدمرة الأمريكية كارني فوق البحر الأحمر.
ومع توسع العدوان على غزة هدد عبد الملك الحوثي في 14 نوفمبر 2023 باستهداف أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، ليدشن بذلك المرحلة الأولى من العمليات الحوثية والتي استمرت حتى 8 ديسمبر 2023 تخللها توقف لمدة أسبوع أثناء الهدنة الأولى بغزة. وفي تلك المرحلة نفذ الحوثيون في 19 نوفمبر 2023 عملية الاستيلاء على السفينة جالاكسي ليدر التي يشارك في ملكيتها رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، وسحبوها إلى ميناء الحديدة.

خريطة هجمات الحوثيين خلال عامي 2023 و2024 على السفن “المصدر: IISS”
بحلول 9 ديسمبر 2023 بدأ الحوثيون مرحلتهم الثانية من العمليات -عقب انتهاك الاحتلال للهدنة بغزة- بالإعلان عن استهداف أي سفينة تبحر إلى الموانئ الإسرائيلية طالما تواصل حصار قطاع غزة، واستمرت هذه المرحلة إلى 18 يناير 2024 الذي شهد الانتقال إلى المرحلة الثالثة عبر استهداف السفن الأمريكية والبريطانية وتوسيع نطاق الهجمات إلى خليج عدن؛ ردًّا على الهجمات التي شنتها لندن وواشنطن ضد الحوثيين.
وفي مواجهة العمليات الحوثية، أعلن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك لويد أوستن في 18 ديسمبر 2023 إطلاق عملية “حارس الازدهار” بمشاركة سفن حربية من عشر دول بهدف تأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتضمنت العملية مرافقة السفن التجارية بمضيق باب المندب، كما شهدت إغراق أربعة زوارق حوثية وقتل 10 من أفراد طواقمها في 31 ديسمبر 2023.
لكن مع استمرار هجمات الحوثيين، دشنت واشنطن رفقة لندن عملية “قوس بوسيدون” في 12 يناير 2024، والتي شملت شن غارات تستهدف منصات إطلاق الصواريخ وأنظمة الرادار ومراكز القيادة ومخازن الأسلحة ومنشآت تصنيع الأسلحة على الأراضي اليمنية لعرقلة عمليات الحوثيين فضلًا عن التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون، وتخلل العملية تنفيذ غارات بواسطة القاذفات الجوية الثقيلة طراز بي-2. وتركزت الغارات على الساحل الغربي لليمن، كما طالت صنعاء وتعز وصعدة وحجة والبيضاء. فيما رد الحوثيون بتوسيع نطاق هجماتهم في مارس 2024 إلى المحيط الهندي؛ حيث هاجموا السفينة MSC Orion على بعد 300 ميل جنوب شرق القرن الإفريقي.
ولم يغب الاتحاد الأوروبي عن المشهد، لكنه نأى بنفسه عن الهجمات الأمريكية البريطانية، فأطلق في 9 فبراير 2024 عملية “أسبايدس” بهدف تأمين الملاحة في البحر الأحمر الذي تستورد أوروبا من خلاله نحو 60% من وارداتها للطاقة، وشدد على أنَّ العملية غرضها دفاعي لا هجومي، وضمن العملية أسقطت السفن الألمانية والإيطالية طائرات مسيرة حوثية فوق البحر الأحمر.
وردًّا على تهديد جيش الاحتلال الإسرائيلي باجتياح رفح، أعلن الحوثيون في 3 مايو 2024 الانتقال إلى المرحلة الرابعة من العمليات، وتضمنت التعهد باستهداف السفن التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بغض النظر عن جنسيتها. وبعد اجتياح الاحتلال لرفح، أعلن الحوثيون الانتقال إلى المرحلة الخامسة في 19 يوليو 2024 عبر إطلاق طائرة مسيرة طويلة المدى طراز “يافا” باتجاه تل أبيب، وتمكنت من الاصطدام بمبنى سكني، مما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة عشرة آخرين.
خلال مراحل العمليات الخمس تراوح متوسط هجمات الحوثيين ما بين 28 و38 محاولة هجوم شهريًّا بالصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق المفخخة، فبدأ بست هجمات في نوفمبر 2023 ووصل ذروته بنحو 48 هجومًا في يونيو 2024 أثناء اجتياح رفح، وشمل نطاق الهجمات جغرافيًّا بحسب إحصائيات معهد IISS البريطاني جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب وبحر العرب وغرب المحيط الهندي، فضلًا عن إطلاق صواريخ سقطت في الصومال وجيبوتي وإريتريا، فيما جاءت السفن من اليونان وقبرص وسنغافورة وبريطانيا والولايات المتحدة على رأس السفن المستهدفة البالغ عددها نحو 300 سفينة، وغرقت سفينتان إحداهما بريطانية تحمل أسمدة كيماوية، وأخرى يونانية تحمل فحمًا، فيما تم الاستيلاء على سفينة واحدة.
ولقد بدأ الحوثيون أثناء مرحلة العمليات الثانية بمحاولة استهداف السفن الحربية الأمريكية للمرة الأولى في 9 يناير 2024 ردًّا على الغارات الأمريكية المتكررة على اليمن، ومنذ ذلك الحين هاجم الحوثيون السفن الأمريكية وفي مقدمتها حاملة الطائرات ترومان بصواريخ كروز وأخرى بالستية وطائرات مسيرة دون التمكن من إصابة أيًّا منها في ظل تمتع السفن الحربية الأمريكية بمنظومات دفاعية متطورة. فيما تمكن الحوثيون منذ بداية الحرب حتى بداية إبريل 2025 من إسقاط 17 طائرة مسيرة أمريكية طراز MQ9 ريبير، والتي يبلغ متوسط سعر الطائرة الواحدة منها 30 مليون دولار، أي فقدت واشنطن طائرات مسيرة بقيمة نصف مليار دولار.
الرد الإسرائيلي
لم يتوقع الإسرائيليون انخراط الحوثيين بهذا القدر في المعركة. وفي ظل بعد المسافة بين اليمن وفلسطين، وانشغال جيش الاحتلال بحربه في غزة والضفة ولبنان وهجماته في سوريا وإيران، وحساسية الحرب ضد الحوثيين لإمكانية تأثيرها على السعودية والإمارات التي سبق للحوثيين استهدافهما خلال حقبة الحرب باليمن قبل وقف إطلاق النار المستمر عمليًّا منذ عام 2022، فقد أوكلت تل أبيب مهمة التصدي للحوثيين إلى واشنطن، فيما عمل جيش الاحتلال على التنسيق مع القيادة المركزية الأمريكية لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية المتجهة نحو إسرائيل.
استخدم جيش الاحتلال للمرة الأولى في تاريخه طائرة إف 35 لإسقاط صاروخ حوثي في 22 نوفمبر 2023، كما استخدم جوهرة منظومته للدفاع الصاروخي “حيتس” للتصدي لصواريخ يمنية، وساهمت بطارية “ثاد” أمريكية في اعتراض صاروخ حوثي في أول استخدام لها في إسرائيل. ولكن لم يتحمل الاحتلال وصول طائرة حوثية لتل أبيب في يوليو 2024 وتسببها في حدوث خسائر بشرية ومادية، فشن طيران الاحتلال في عملية سماها “الذراع الطويلة” أولى غاراته على اليمن في 20 يوليو 2024 مستهدفًا مستودعات الوقود ومحطة الكهرباء ومعدات الرفع في ميناء الحديدة ثم استهدف في 29 سبتمبر 2024 مينائي الحديدة ورأس عيسى ردًّا على قصف صاروخي يمني استهدف وسط إسرائيل، وجاءت الموجة الثالثة من الغارات في ديسمبر 2024 لتشمل صنعاء والحديدة، ثم امتدت الموجة الرابعة من الغارات في يناير 2025 لتطال مدن صنعاء وعمران والحديدة.
ركز جيش الاحتلال في غاراته على قصف ميناء الحديدة باعتباره أحد أبرز ثلاث موانئ يسيطر عليهم الحوثيون، إذ يُستخدم لتوريد نحو 80% من واردات اليمن، وتزعم تل أبيب أنَّه يُستخدم في تهريب أسلحة إيرانية. وعمليًّا سعى الاحتلال إلى استهداف مستودعات الوقود والمعدات بالميناء؛ لإحداث أزمة اقتصادية بهدف الضغط شعبيًّا على القيادة الحوثية، وزيادة الأزمات المعيشية التي يعانيها اليمنيون.
ماذا حقق الحوثيون؟
إنَّ الرسالة الأبرز من هجمات الحوثيين ضد إسرائيل هي إبراز دعمهم لغزة مما عزز شرعيتهم داخل اليمن وفي العالم العربي والإسلامي، ووضع خصومهم المحليين في موقف حرج، حيث سيُفسر أي تحرك ضد الحوثيين على إنَّه جزء من ترتيب غربي لحفظ أمن إسرائيل، فيما تراجعت أولوية الشكوى من سياسات الحوثيين داخل البلاد باعتبار أنَّهم يواجهون حربًا من دول كبرى، كما أبرزوا قدرتهم على تحدي الولايات المتحدة وبريطانيا والإضرار بالاقتصاد العالمي.
إن معاودة شن هجمات ضد إسرائيل بعد تجديد الاحتلال لعدوانه على غزة في مارس 2025، يثبت أن الضربات الأمريكية والبريطانية لم ترهبهم، كما استمروا في ربط إنهاء هجماتهم بإنهاء الاحتلال لحربه في غزة ورفعه الحصار عن القطاع، وفي المحصلة ما زال الحوثيون المكوِّن المتبقي من محور المقاومة في المعركة بعد أن قبل حزب الله بوقف إطلاق النار في لبنان رغم الانتهاكات الإسرائيلية، وبعد أن توقفت الجماعات العراقية عن شن هجمات ضد إسرائيل.
تكتيكيًّا تمكن الحوثيون من شل حركة التجارة في ميناء إيلات الذي يمثل 5% من التجارة الإسرائيلية، وإزعاج المستوطنين عبر إطلاق الصواريخ في منتصف الليل باتجاه منطقة غوش دان كثيفة السكان مما يدفعهم للاستيقاظ والتوجه للملاجئ فضلًا عن تعطيل الحركة في مطار بن جوريون أكثر من مرة في أوقات مختلفة، ودفع العديد من شركات الملاحة الكبرى لتغيير مسارات سفنهم عبر استخدام رأس الرجاء الصالح، فانخفضت حركة المرور بقناة السويس من حوالي 500 سفينة أسبوعيًّا إلى حوالي 200 سفينة أسبوعيًّا، مما أدى بحسب تصريحات السيسي لفقدان مصر 800 مليون دولار شهريًّا من عائدات القناة، كما ارتفعت أسعار التأمين على السفن الإسرائيلية والأمريكية بنسب تتراوح من 25 إلى 50%، وارتفعت تكاليف الشحن من آسيا إلى أوروبا بنسب تبدأ من 30% حسب المسافة بين مينائي الانطلاق والوجهة.
إدارة ترامب وتحول الحرب
بدا أنَّ ملف الحوثيين يمثل أولوية لدى ترامب، فبمجرد توليه السلطة أصدر في 22 يناير 2025 أمرًا تنفيذيًّا بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في قرار يضاف إلى قرار بايدن سابقا بإدراج الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المُصنفة بشكل خاص.
ومع طرح ترامب لمقترح تهجير أهل غزة، ومنحه ضوءًا أخضر لنتنياهو لانتهاك وقف إطلاق النار الموقع عليه في يناير 2025، عاد ملف اليمن للواجهة مجددًا، فبمجرد إعلان حكومة الاحتلال إغلاق المعابر مع قطاع غزة في 2 مارس 2025، هدد عبد الملك الحوثي باستئناف الهجمات ضد السفن الإسرائيلية ما لم تدخل المساعدات إلى غزة خلال أربعة أيام، وهنا تدخلت الإدارة الأمريكية، وبدأت بشن عملية عسكرية استباقية ضد الحوثيين في 15 مارس أي قبل ثلاثة أيام من إعلان الاحتلال الحرب مجددًا على غزة.
اتسمت العملية العسكرية الأمريكية في عهد ترامب بالبعد الهجومي؛ فبجوار استهداف مخازن الأسلحة والمواقع العسكرية والمطارات ومقرات القيادة والاتصالات استهدفت أيضًا تصفية العديد من القيادات العسكرية عبر قصف منازلهم داخل أحياء سكنية في الموجة الأولى من الهجوم التي شملت 40 غارة جوية وأسفرت عن مقتل 50 شخصًا على الأقل وإصابة المئات، وقد صرّح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز بأنَّ الهجوم استهدف عددًا من قادة الحوثيين وقضى عليهم بمن فيهم قائد منظومة الصواريخ.
كذلك اتسمت الهجمات الأمريكية باتساع النطاق الجغرافي حيث شملت صنعاء والحديدة وصعدة وحجة وعمران وتعز ومأرب والجوف والبيضاء، فضلًا عن استخدام ذخائر ثقيلة مثل قنابل JDAM التي يصل وزنها إلى 900 كيلو جرام. كما اتسمت بالفردانية حيث لم تسع واشنطن لحشد تحالف من عدة دول مثلما حدث في عملية حارس الازدهار أو حتى بالشراكة مع القوات البريطانية كما في عملية “قوس بوسيدون”، وفضلت العمل بشكل أحادي وفقًا لنهج ترامب المفضل، لكن مع بقاء التعاون الاستخباري مع تل أبيب مثلما اتضح في تسريبات محادثات المسؤولين الأمريكيين على تطبيق سيجنال.
لقد استخدم ترامب ملف الحوثيين للضغط على طهران فصرح بأنَّ أي طلقة يطلقها الحوثيون ستُعتبر إيران هي المسؤولة عن إطلاقها، لكن هذا النهج يغفل حقيقة الدوافع التي تحرك الحوثيين، والتي لا تقوم فقط على علاقتهم بإيران، إنما ترتبط أيضًا بعقيدتهم الدينية وإرادتهم الصلبة للقتال وإدراكهم بأنَّهم في مرحلة تكسير عظام إما أن يصمدوا فيها ويحوزوا شرعية أكبر في السياق المحلي اليمني واعتراف كلاعب إقليمي له ثقله، أو يعودوا إلى وضع ما قبل سيطرتهم على صنعاء في عام 2014، بالتوازي مع مخاطر تصفية العديد من قادتهم، وهو تهديد سبق أن تعرضوا له عقب مقتل القائد الأول حسين الحوثي ثم والده بدر الدين الحوثي خلال حقبة الحرب مع علي عبد الله صالح.
لقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث أنَّ الضربات الأمريكية ستستمر على اليمن لحين توقف الحوثيين عن استهداف السفن في البحر الأحمر، كما طلب إرسال مجموعة حاملة طائرات ثانية هي “كارل فينسون” إلى المنطقة مع تمديد بقاء حاملة الطائرات ترومان لمدة شهر بالبحر الأحمر، فضلًا عن إرسال طائرات قاذفة طراز بي 52 وبي 2 إلى قاعدة دييجو غارسيا، والتي استُخدمت في شن غارات مؤخرا ضد الحوثيين وربما تنخرط لاحقا في شن عملية عسكرية ضد إيران في حال عدم التوصل لاتفاق معها.
لكن رغم الخسائر وضراوة الغارات الأمريكية، ما زال الحوثيون يهاجمون السفن الحربية الأمريكية بدفعات من الصواريخ والطائرات المسيرة، كما يطلقون صواريخ بالستية بشكل متكرر باتجاه مطار بن غوريون وأماكن حيوية في إسرائيل، مما يشير لإخفاق الحملة الأمريكية الجوية في تحقيق أهدافها المعلنة حتى الآن.
تطورات محتملة
لم تنجح الغارات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية في وقف مساندة الحوثيين لغزة أو وقف هجماتهم ضد السفن الأمريكية، ولم تقتنع شركات الملاحة بإمكانية الإبحار في أمان بمضيق باب المندب والبحر والأحمر، فيما يبدي الحوثيون مرونة وقدرة على امتصاص الضربات الأمريكية، ولذا بدأ الحديث عن شن عملية برية تحقق ما يبدو أنَّ الغارات الجوية تعجز بمفردها عنه.
تتضافر الأنباء عن حشود وتجهيزات عسكرية لبعض المكونات اليمنية لشن عملية برية ضد الحوثيين في تعز والحديدة بدعم أمريكي بريطاني بهدف تدمير قدرات الحوثيين العسكرية وإبعادهم عن الساحل الغربي، ودفعهم للتراجع نحو معاقلهم في شمال اليمن وبالأخص في صعدة، وبالتزامن مع ضغوط سعودية وإماراتية على البنوك اليمنية في صنعاء للانتقال إلى عدن بعد تصنيف الحوثيين أمريكيًّا كمنظمة إرهابية أجنبية، لتجنب فرض عقوبات أمريكية على البنوك التي تتعامل معهم، وهي خطوة ستؤدي لخنق الاقتصاد في مناطق سيطرة الحوثيين.
لكن توجد عقبات أمام هذا المسار من أبرزها قلق الرياض من عودة الحوثيين لإطلاق الصواريخ مجددًا تجاه المدن السعودية وشن هجمات في الحد الجنوبي للمملكة، مما ينهي حال الهدوء بين الجانبين المستمرة منذ عام 2022. كذلك لا يوجد اتفاق سعودي إماراتي غربي تجاه الجهات التي ستملأ الفراغ الذي قد ينتج عن دحر الحوثيين، فلكل دولة حساباتها ومصالحها في اليمن، والتي تتعارض مع غيرها.
كذلك بينما تبدي إدارة ترامب إعلاميا استعدادًا لمزيد من التصعيد لإنهاء ملف عمليات الحوثيين بشكل سريع، فإنَّ أصوات أمريكية ترتفع للتحذير من خطورة الغوص في ساحة اليمن، حيث سبق أن طلب البنتاجون في أكتوبر 2024 نحو 1.2 مليار دولار لمواصلة مهمة الجيش الأمريكي في البحر الأحمر، فضلًا عن توجيه مجموعتي حاملات طائرات إلى قرب السواحل اليمنية من بين 11 حاملة طائرات تملكها الولايات المتحدة مما يؤثر على انتشار القوة الأمريكية عالميًّا، وبالأخص في منطقة المحيط الهادئ الهندي في مواجهة الصين، فكل نشر لمجموعة حاملة طائرات يؤثر على أعمال الصيانة وجداول المناوبة والراحة وجاهزية الجيش الأمريكي للعمل في مناطق أخرى.
ورغم خصوصية الحوثيين في اليمن فيصعب فصل ملف التعامل معهم عن ملف التعاطي مع طهران، ففي حال وصول واشنطن لتفاهم مع إيران فقد ينعكس ذلك على تقليص الدعم الإيراني للحوثيين سواء من جهة الإمداد بمكونات الصواريخ والطائرات المسيرة أو توفير خبرات التصنيع والتدريب والمعلومات الاستخبارية، بينما سيؤدي توجيه ضربة أمريكية أو إسرائيلية لإيران إلى تحويل منطقة الخليج لساحة اشتباك، وبالتالي سيتعمق الصراع باليمن، وقد يمتد حينئذ إلى السعودية والإمارات، مما سيدفعهما لتحريك حلفائهما في اليمن مجددًا ضد الحوثيين بشكل أكثر ضراوة.
إنَّ استسلام الحوثيين أو خضوعهم للضغوط الأمريكية أمر محل شك، فقد تحولوا إلى لاعب إقليمي فاعل لديه القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، ولديه الخبرة في التعامل مع التفوق الجوي للخصوم. لكن قدرتهم على مواصلة استهداف إسرائيل بذات الوتيرة قد تتأثر بالضربات الأمريكية وبالحصار البحري المفروض على اليمن والتشديد على المنافذ البرية فضلًا عن تداعيات العمليات البرية المرتقب انطلاقها ضدهم داخل اليمن. وبالتالي إنَّ تطورات الميدان في غزة وإيران وداخل اليمن ومدى إصرار إدارة ترامب على مواصلة العمليات العسكرية أمور ستؤثر بمجموعها في مستقبل الصراع مع الحوثيين.