تحليلات

باكستان بعد الانتخابات المزورة

عندما بدأت وسائل الإعلام الباكستانية نشر نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثامن من فبراير/شباط، التي أظهرت فوز حزب “حركة الإنصاف” بزعامة رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، بأغلبية الثلثين في البرلمان، بدأ الجيش الباكستاني في التلاعب بنتائج الانتخابات في اليوم التالي بهدف منع حزب الإنصاف من تشكيل الحكومة.

 فبعد إقالته من منصب رئيس الوزراء في أبريل 2022، وما أعقب ذلك من قمع وحشي لقادة حزبه ومؤيديه، برز السؤال حول دوافع جنرالات الجيش الباكستاني لتهميش عمران خان، ولماذا دعم اللاعبون العالميون الرئيسيون الجيش الباكستاني أو التزموا الصمت بشأن القمع الذي تعرض له عمران وأنصاره.

 محليًّا، يواجه عمران خان جيشًا معاديًّا وأحزابًا سياسية مؤيدة للجيش ومستاءة من سياساته المتعلقة بالمساءلة الشاملة وسيادة القانون. ومن ناحية أخرى، فإنَّ لاعبين أجانب مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، لا يحبون سياستها الخارجية المستقلة وقيادته باكستان بالطريقة التي يريدها. وبالتالي نجح جنرالات الجيش الباكستاني في تحويل فوز حزب حركة الإنصاف الساحق في الانتخابات إلى هزيمة ومنعوه من تشكيل الحكومة الفيدرالية أو تشكيل حكومة إقليم البنجاب الأكثر سكانًا في البلاد.

حياة عمران خان السياسية

اتسمت رحلة عمران خان في السياسة الباكستانية بالنجاحات والإخفاقات. فقد ظهر كشخصية بارزة في السياسة الباكستانية في انتخابات عام 2013 حيث تمكن حزبه من الحصول على ثاني أعلى الأصوات بعد حزب الرابطة الإسلامية، ثُمَّ قاد حزب حركة الإنصاف للفوز في الانتخابات العامة التالية في عام 2018، ما أدى إلى تعيينه رئيسًا للوزراء. ومع ذلك، واجهت فترة ولايته تحديات من أحزاب المعارضة، والجيش القوي، والجهات الفاعلة العالمية الرئيسية.

أثارت إقالة عمران خان من منصب رئيس الوزراء الدهشة؛ ليس فقط داخل باكستان، لكن أيضًا على الساحة الدولية. وأثار الغضب الشعبي غير المتوقع بشأن دور الجيش الباكستاني في الاستجابة لمجموعة من الإملاءات الأمريكية في الإطاحة به، رد فعل شعبي هائل في البلاد.

دوافع الجيش الباكستاني

لكي نفهم لماذا أراد الجيش تحييد عمران خان، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار السياق التاريخي لتدخل الجيش في المشهد السياسي الباكستاني. لقد شهدت باكستان فترات من الحكم العسكري في الماضي، وكثيرًا ما لعب الجيش دورًا مهمًا من وراء الكواليس في تشكيل سياسات البلاد.

ربما كانت لدى الجيش مخاوف بشأن مكانة خان المميزة، أو أسلوب قيادته، أو قراراته في السياسة الخارجية، أو قدرته على إدارة التحديات الأمنية والاقتصادية المعقدة التي تواجه باكستان. وعلى الرغم من أنَّ عمران خان أبقى الجيش على اطلاع بجميع القرارات الكبرى، فإنَّ جنرالات الجيش، خاصة القائد السابق الجنرال باجوا، وقائد الجيش الحالي الجنرال عاصم منير، اعتبروه تهديدًا لسيطرة الجيش على البلاد.

لقد حدث آخر انقلاب عسكري في باكستان عام 1999 عندما أطاح قائد الجيش آنذاك برويز مشرف بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا. ودفعت الإطاحة ببرويز بشكل غير رسمي في عام 2008 على خلفية قضايا تتهمه بالخيانة ثُمَّ وفاته وحيدًا في المنفى الاختياري، الجنرالات على عدم التفكير في الانقلاب العسكري مجددًا، واللجوء إلى حكم البلاد بشكل غير مباشر من خلال شخص رئيس الوزراء.

 لقد نظم الجيش الباكستاني الإدارة العامة للبلاد بطريقة تجعل جميع المكونات الأخرى للدولة، سواء القضاء أم الأجهزة البيروقراطية أم وسائل الإعلام أم رجال الأعمال والنخب، تعرف أنَّ الجيش هو الحاكم الدائم للبلاد حيث يمكن تدوير السياسيين أو القضاء عليهم أو نفيهم.

اعتقد الجيش أنَّ عمران خان سيبقى تحت السيطرة فترة طويلة، لكنه على عكس رؤساء الوزراء السابقين، اهتم بدرجة كبيرة بتبني سياسة خارجية مستقلة تحت إشراف الحكومة المدنية، وبالمشاريع طويلة الأمد لتطوير اقتصاد البلاد والبنية التحتية. وبرز الخوف لدى الجنرالات من أنَّ بقاء عمران خان في منصبه يمكن أن يُقوَّض تدريجيًّا وصاية الجيش.

لقد حطمت انتخابات الثامن من فبراير 2024 أسطورة القدرة المطلقة للجيش عندما صَوَّت الناس بأعداد كبيرة للمرشحين المتحالفين مع رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان، على الرغم من الحملة القمعية واسعة النطاق ضد مرشحي حزبه.

 موقف اللاعبين العالميين

إنَّ تورط وصمت اللاعبين العالميين الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الخليج العربي على ما حدث لعمران خان منذ إقالته من منصبه، ثُمَّ التزوير الهائل الذي قام به جنرالات الجيش لمنع حزبه من تشكيل الحكومة في الانتخابات الأخيرة، يعود إلى عدة عوامل.

فللقُوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة علاقة معقدة مع باكستان بسبب مصالحها في الجوار الإقليمي، ومواجهة الهيمنة الصينية، والسيطرة على العلاقة مع روسيا. لقد وافقوا على عزل خان وعرقلة اتخاذ خطوات لرسم سياسة خارجية مستقلة لتحقيق المصلحة الوطنية الباكستانية.

 من الواضح تمامًا أنَّ الولايات المتحدة، خاصة الرئيس بايدن وإدارته، لم يكونوا راضين عن سياسات عمران خان بشأن أفغانستان، وميله نحو استكشاف العلاقات مع روسيا، ومواصلة تعزيز العلاقات مع الصين، الصديقة لباكستان في جميع الأحوال. ولم يكن توجه عمران خان المتعدد الأبعاد للسياسة الخارجية مقبولًا لدى الولايات المتحدة.

لدى ممالك الخليج العربي مخاوف بشأن سياسة خان الخارجية، خاصة نهجه في الشرق الأوسط والعلاقات مع السعودية والإمارات. فالزعماء العرب يكرهون كلمة الديمقراطية ذاتها. وإنَّ تفضيل عمران خان للديمقراطية على النظام الملكي وسيادة القانون واعتباره الدولة النبوية في المدينة المنورة دولة نموذجية، قد خلق الخوف في أذهانهم. كذلك كانت تحركاته في السياسة الخارجية مكروهة بنفس القدر. ومن الأمثلة على ذلك تخريبهم لعقد قمة كوالالمبور عام 2019 التي اقترحها خان نفسه، التي ألغيت بسبب الضغط السعودي.

نهج عمران خان في السياسة الخارجية

من الأهمية بمكان دراسة نهج عمران خان في السياسة الخارجية لفهم سبب عدم رغبة هؤلاء اللاعبين العالميين في أن يحكم باكستان. إنَّ تركيز خان على سياسة خارجية أكثر استقلالية، فضلًا عن محاولاته لتحقيق التوازن في العلاقات مع القوى العالمية المتعددة، بما في ذلك الصين وروسيا، أثار الانزعاج بين القوى الغربية وحلفائها التقليديين في الخليج.

ربما تحدث قادة دول مثل الصين وتركيا بشكل خاص مع الجهات المعنية في باكستان، لكنهم ظلوا صامتين في العلن بشأن الأحداث بعد إقالة عمران خان من منصبه، والتزوير الهائل في الانتخابات لإبقائه خارج السلطة. فقط رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد تحدث علانية لصالح عمران خان. أما الآخرون فقد اختاروا البقاء على علاقة جيدة مع حكام البلاد الأقوياء، أي جنرالات الجيش، في باكستان.

لقد برز الخوف من سيناريو آخر يشبه “أردوغان” في باكستان، حيث يمكن أن تشبه قيادة عمران خان قيادة رجب طيب أردوغان في تركيا. فقد تحدى توطيد أردوغان لسلطته من خلال الوسائل الديمقراطية ونهجه في الحكم القُوى الغربية الرئيسية. وربما يكون الخوف من حدوث سيناريو مماثل في باكستان سببًا في إثارة مخاوف الغرب.

الآثار والعواقب

إنَّ عزل عمران خان من منصبه، وما أعقبه من قمع وحشي لمؤيديه، وسجنه بتهم ملفقة، وتزوير الانتخابات على نطاق واسع لإبقائه خارج السلطة، أمور ذات صلة بالمشهد السياسي الداخلي في باكستان وعلاقاتها مع القوى العالمية. إنَّ النخبة السياسية في باكستان، خاصة عائلتي شريف وزرداري، وجنرالات الجيش، يحتفظون بأصولهم وثرواتهم المشكوك في مصادرها في السعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

ففي الوقت الذي يجري فيه تطبيع للعلاقات الخليجية مع إسرائيل، حيث اعترفت الإمارات والبحرين بالفعل بإسرائيل، والسعودية على وشك الاعتراف بإسرائيل، تبنى عمران خان سياسة عدم الاعتراف بإسرائيل، وتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا، وتبنى مواقف مؤيدة لفلسطين، ورغب في إنشاء كتلة من قادة العالم ذوي التفكير المماثل، وهي أمور لم تكن موضع تقدير في العواصم الغربية والعربية الخليجية.

 ويكفي أن نقول هنا إنَّ كل هؤلاء اللاعبين الرئيسيين المحليين والعالميين الذين لديهم مصالح في باكستان سيبذلون قصارى جهدهم لإبقاء عمران خان خارج السلطة. ولا شك أنَّ عودته إلى السلطة ستقضي على سيطرة جنرالات الجيش والنخب السياسية القديمة على إدارة البلاد وستعيد ضبط علاقات باكستان مع العديد من العواصم الأجنبية.

Mohammad Pervez Bilgrami

political analyst and consultant. Middle East geopolitics expert

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى