أمناستراتيجيترجمات

انتليجنس أونلاين: هجوم حماس يضع تقنيات الاستخبارات التكتيكية موضع تساؤل

سيترك هجوم حماس الناجح على إسرائيل انطلاقًا من غزة في السابع من أكتوبر الجاري آثارًا بعيدة المدى على النموذج الإسرائيلي للأمن المتكامل، وسينعكس على مستوى الثقة في تكنولوجيات المراقبة الإسرائيلية، سواءً على المستوى المحلي أم في مجال التصدير.

هل نجح هجوم حماس نتيجة عطل في نظم المراقبة الإسرائيلية إثر هجوم إلكتروني تعرضت له أو انقطاع في التيار الكهربائي أو خيانة من الداخل؟ سيكون من الصعب الاستفادة من دروس ما حدث، حيث يطرح المتخصصون في الجيش الإسرائيلي العديد من التساؤلات حول عدم فعالية الجدار الحديدي، الذي يشكل خطًا دفاعيًّا على طول الحدود مع قطاع غزة، الذي فشل تمامًا خلال هجوم حماس في السابع من أكتوبر.

عادةً ما تكون نظم المراقبة الإسرائيلية وأجهزة الاستشعار الخاصة بها حساسة للغاية تجاه أدنى حركة على الأرض، إذ يمكن لبعض أجهزة الاستشعار اكتشاف أي خرق قد يحدث عبر الأنفاق من تحت الأرض، وهو أسلوب لطالما اعتادته حركة حماس. يتابع عناصر الجيش الإسرائيلي ما تلتقطه كاميرات المراقبة باستمرار، كما لا تُترك أبراج المراقبة والوسائط النارية شاغرة أبدًا، في ظل انضباط صارم في طريقة تنظيم الدوريات. وعند أدنى تنبيه من أجهزة الاستشعار تنتشر دورية برية على الفور في المحيط، بعد إقلاع طائرة استطلاع تكتيكية دون طيار، ولذلك يتساءل الجيش الإسرائيلي الآن: كيف تمكن مقاتلو حماس من الاقتراب دون أنّ يُكْتَشَف أمرهم، في حين عادة ما تُرْصَد تحركات الحيوانات الصغيرة؟

الدور المركزي للطائرات المسيرة التجارية الصغيرة

دُمرت أبراج المراقبة في المواقع الرئيسية قبل الهجوم البري بواسطة عبوات ناسفة وضعتها حماس على متن طائرات مسيرة تجارية صغيرة، دون أن تُكتشف؛ علمًا أنَّ مقاتلي حماس لا يستطيعون تشغيل طائراتهم المسيرة على مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات، لذا فإنَّهم كانوا من الناحية النظرية ضمن محيط المراقبة لنظام الجدار الحديدي عندما شنوا هجماتهم على الأبراج.

لم تتمكن أنظمة الجدار الحديدي المضادة للطائرات المسيرة من صد تلك الهجمات الجوية، رغم الزعم بقدرتها على اكتشاف وتحييد هذا النوع من الطائرات، وَفقًا للمنشورات الترويجية للنظام التي اطلعت عليها مجلة إنتيليجنس أونلاين، لكن هذه الطائرات المسيرة الصغيرة كانت أصغر بكثير من الطائرات العسكرية المسيرة -ولذا يصعب على الرادار رصدها- ما منع رادارات أنظمة الدفاع المضادة للطائرات المسيرة ضمن نظام القبة الحديدية المسؤولة عن اعتراض الصواريخ التي تقع أحيانًا على بُعد 15 كيلومترًا من السياج الأمني للجدار الحديدي من اكتشافها.

ومما يثير الدهشة أكثر هذا الضعف في التعامل مع الطائرات المسيرة، رغم أنَّ حماس اتبعت العديد من أساليب الحرب غير المتكافئة، التي برزت في العديد من ساحات الصراع مؤخرًا خاصة في أوكرانيا، حيث تلعب الطائرات المسيرة التجارية دورًا استخباراتيًّا أساسيًّا وتوجه العديد من الضربات قبيل بدء أي هجوم.

فشل أسلوب الدفاع الثابت

يتزايد الضغط الآن على الشركات المصنعة التي طورت نظام الجدار الحديدي، الذي أنتجته شركة Elbit Systems بالاشتراك مع العديد من الشركات المتخصصة، وتوفر شركة Oddetect برنامج التحليل للمراقبة بالفيديو والكشف التلقائي المباشر عن الأنشطة غير الطبيعية، وتوفر شركة Percepto International طائرات المراقبة الصغيرة المسيرة المنتشرة على طول الحدود لضمان مهام المراقبة الدائمة، وتحلل شركة Cawamo صور البيانات المرئية المتدفقة، أما شركة Magal Security Systems توفر رادارات المراقبة الأرضية والكاميرات الحرارية وأجهزة الاستشعار المتعددة.

وفعلًا بدأت العديد من الدول التي اشترت هذا النوع من الأنظمة في التشكيك في مدى فعاليتها الآن؛ ففي 10 أكتوبر قال مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية كانغ شين تشول أمام البرلمان أنَّه يدرس عن كثب إمكانية تنفيذ كوريا الشمالية هجومًا مماثلًا ضد بلاده، وأشار بقلق إلى أنَّ أنظمة المراقبة الإسرائيلية قد حُيدت قبيل هجوم حماس ولم تكن فعالة خلاله.

لدى سيول سبب وجيه للقلق: فنظام المراقبة الذي نُشر على طول المنطقة المنزوعة السلاح مع بيونج يانج صُمم في الأصل بواسطة شركة Elbit Systems وعلى غرار التكنولوجيا المستخدمة في غزة، لذا فهو يعاني المشكلات نفسها، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الطائرات المسيرة. وكانت شركة Hanwha الكورية الجنوبية قد استحوذت على عقد Elbit دون إجراء أي تغير في جوهر النظام، وليست كوريا الجنوبية المستخدم الوحيد لأنظمة شركة Elbit لمراقبة الحدود؛ إذ تستخدمها أيضًا هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أيضًا على طول الحدود مع المكسيك، كما تواصلت الشركة مع دول أخرى لا سيما في الخليج العربي لتثبيت أبراج المراقبة نفسها.

أخطاء فنية وفشل سياسي

يُضاف هذا الفشل في تقنيات المراقبة إلى العديد من التساؤلات التي أثيرت حول القصور في سياسة الاستخبارات الإسرائيلية، التي سبق التعليق عليها باستفاضة، وفي ظل ردود الفعل في الشارع الإسرائيلي فمن غير المرجح أن تفلت المخابرات الإسرائيلية من إجراء تحقيق برلماني حول فشلها هذا.

وكما هو الحال في أنظمة المراقبة، تركز ردود الفعل الأولية حول فشل الاستخبارات الإسرائيلية في مجال الاستخبارات التقنية وجمع البيانات حول قطاع غزة، فمع الاعتماد الكبير على الأساليب التكنولوجية تراجع اعتماد الاستخبارات الإسرائيلية على العنصر البشري تراجعًا كبيرًا، رغم أنَّه كان ذات يوم مصدر قوة لجهاز الشاباك في قطاع غزة والضفة الغربية.

تهميش مجلس الوزراء الأمني

على المستوى الإستراتيجي صوب المنتقدون خلال الأسبوع الماضي سهامهم نحو الانقسامات الحاصلة بين الأوساط السياسية والأجهزة الأمنية، التي يجمعها مجلس الوزراء الأمني المصغر الذي كان مدة طويلة العنصر الأساسي في فعالية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

ففي الآونة الأخيرة باتت اجتماعات مجلس الوزراء الأمني المؤلف من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعدد من الوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية أقل تواترًا، كما وجد المجلس صعوبة بالغة في إجراء أي تحليل موحد بسبب الانقسامات السياسية الداخلية، وبدلًا من ذلك اعتمد نتنياهو اعتمادًا كبيرًا على رئيس جهاز الشاباك رونين بار، وكدليل على تهميش مجلس الوزراء الأمني تابع نتنياهو عمليات “الدرع والسهم” العسكرية في شهر مايو الماضي ضد حركة الجهاد الإسلامي من مقر الشاباك، على عكس كل التقاليد المؤسسية المتبعة في هذا الشأن.

الفشل في تحديد أولويات التهديدات

نتيجة تقاريره الاستخبارية وبعد أن خدعته حماس حيال نواياها -كما وصفت رويترز بالتفصيل- ركز جهاز الشاباك جهوده على الضفة الغربية، حيث أدى الوضع الذي خرج عن نطاق السيطرة بشدة هناك مع التورط المزعوم لحماس في الهجمات على الإسرائيليين والتداول المكثف للأسلحة إلى مخاوف من نشوب انفلات كبير. أما عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق، فقد كان لا يزال قيد النظر حتى يونيو الماضي.

وكما لاحظت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإنَّ الاجتماعات الأمنية الأخيرة بين رؤساء الأجهزة الاستخبارية بالكاد ذكرت حماس في غزة كتهديد ذي أولوية، وكان ملفا إيران والضفة الغربية من الملفات الرئيسية على جدول أعمال اجتماع رونين بار مع وكالة المخابرات المركزية في واشنطن في 1 يونيو الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى