ترجماتعسكري

طالبان وليس الغرب، من فازت في الحرب التكنولوجية في أفغانستان

كان لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة المزيد من القوة النارية والمزيد من المعدات والمزيد من الأموال، لكن حركة طالبان هي التي استفادت أكثر من التقدم التكنولوجي.

على الرغم من تكاليفها البشرية الفادحة ــأو ربما بسببهاــ فإنَّ الحروب غالبًا ما تكون أوقاتًا للابتكار التكنولوجي، فقد جلبت لنا حروب نابليون البضائع المعلبة وقادت الحرب الأهلية الأمريكية إلى تطوير الغواصات، كما بدأت الحرب العالمية الثانية بالطائرات ذات الجناحين المكدسين فوق بعضهما ووحدات سلاح الفرسان والعربات التي تجرها الخيول، لكنها انتهت بالرادار وصواريخ  V2 والمقاتلات النفاثة والقنابل الذرية. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنَّه من خلال فك الشفرات الألمانية في مركز فك الشفرات البريطاني في حديقة مدينة بلتشلي، كانت الحرب إيذانًا ببداية ثورة الحوسبة.

تجادل السردية السائدة بأنَّ المنتصر هو الجانب الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية؛ فالاختراعات الجديدة تسمح للقوات بالتكيف مع الظروف المتغيرة وتساعدها الأنظمة الجديدة على تعقب أهدافها، كما أنَّ الأسلحة الجديدة تتيح سحق العدو بكفاءة أكبر من ذي قبل.

لكن الوضع في أفغانستان مختلف، فقد كان هناك تقدم تكنولوجي مثل تطور حرب الطائرات دون طيار على سبيل المثال، لكن التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يكن واضحًا ولم يكن عميقًا كما ادعى بعض الخبراء. وفي الواقع وخلافًا للسردية المعتادة، فإنَّ التقدم التكنولوجي الذي حدث خلال السنوات العشرين من الصراع ساعد طالبان في الواقع أكثر من الغرب وإذا قيَّمنا الحرب من خلال الابتكار فإنَّ طالبان هي التي انتصرت.

ماذا نعني؟

 لقد خاض الغرب الحرب بالطريقة نفسها تقريبًا من البداية إلى النهاية.

فقد نُفذت الضربات الجوية الأولى في عام 2001 بواسطة قاذفات القنابل من طرازB-52، وهو الطراز نفسه الذي دخل الخدمة لأول مرة في عام 1955؛ وفي أغسطس نُفذت الهجمات التي حدثت في أواخر الوجود الأمريكي بواسطة الطراز نفسه الشهير من الطائرات.

في الوقت نفسه، حققت حركة طالبان بعض القفزات الهائلة إذ بدأ أفرادها القتال في هذه الحرب ببنادق AK-47  وغيرها من الأسلحة التقليدية البسيطة، لكنهم لاحقًا استخدموا الهواتف المحمولة والإنترنت – ليس فقط لتحسين أسلحتهم وأنظمة القيادة والسيطرة الخاصة بهم، لكن الأهم من ذلك للقيام باتصالاتهم الإستراتيجية وعمليات التأثير.

ما الذي يفسر هذه المكاسب التكنولوجية؟

الحرب الوجودية مقابل حرب الاختيار

بالنسبة لطالبان كانت الحرب في أفغانستان حربًا وجودية، ففي مواجهة مئات الآلاف من القوات الأجنبية من دول الناتو وتعرضهم للمطاردة على الأرض ومن الجو، كان على عناصر طالبان التكيف من أجل البقاء. وفي حين ظل الجزء الأكبر من معداتهم القتالية بسيطًا وسهل الصيانة (في كثير من الأحيان لا تزيد على بنادق كلاشينكوف وبعض الذخائر وجهاز راديو وغطاء للرأس)، فقد اضطروا إلى البحث عن تكنولوجيا جديدة للاقتباس من الجماعات المتمردة الأخرى أو لتطوير تقنياتهم الخاصة.

لقد خاض الغرب الحرب بالطريقة نفسها تقريبًا من البداية إلى النهاية، وفي الوقت نفسه حققت حركة طالبان بعض القفزات الهائلة. أحد الأمثلة الرئيسية: القنابل المزروعة على جانب الطريق أو العبوات الناسفة. تسببت هذه الأسلحة البسيطة في خسائر بصفوف الحلفاء أكثر من أي سلاح آخر؛ ففي بداية الحرب فُعِّلَت العبوات الناسفة بواسطة ألواح الضغط مثل نمط عمل الألغام، ثُمَّ تطورت بحلول منتصف الحرب حيث أمكن لطالبان تفجيرها بالهواتف المحمولة من أي مكان بواسطة إشارة الهاتف الخلوي، ولأنَّ خط الأساس التكنولوجي لطالبان كان أقل، فإنَّ الإبداعات التي حققتها طالبان أصبحت أكثر أهمية.

لكن التقدم التكنولوجي الحقيقي لطالبان حدث على المستوى الإستراتيجي، فمع إدراكهم التام لأوجه قصورهم السابقة فقد حاولوا التغلب على نقاط الضعف في أدائهم الحكومي السابق، فبين عامي 1996 و2001 فضلوا العزلة ولم يكن هناك سوى صورة واحدة معروفة لزعيمهم الملا عمر. لكن منذ ذلك الحين، طورت طالبان فريقًا متطورًا للشؤون العامة استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج. وعادةً ما صوروا الهجمات بالعبوات الناسفة عن طريق الهاتف المحمول ثُمَّ حملوها على أحد حسابات تويتر العديدة لحركة طالبان للترويج بهدف الجذب للتجنيد وجمع الأموال ورفع الروح المعنوية. مثال آخر هو أسلوب البحث التلقائي في وسائل التواصل الاجتماعي عن عبارات رئيسية مثل “دعم الاستخبارات الباكستانية” – في إشارة إلى جهاز الأمن الباكستاني، الذي له علاقة مع طالبان – ثُمَّ إطلاق العنان لجيش من الروبوتات عبر الإنترنت لإرسال رسائل تحاول إعادة تشكيل صورة الحركة.

وعلى الطرف الآخر بالنسبة للتحالف، لقد كانت حرب اختيار، ولهذا السبب سعت التكنولوجيا إلى الحد من مخاطر وقوع إصابات بدلًا من تحقيق النصر المباشر، واستثمرت القوات الغربية بكثافة في الأسلحة التي يمكنها إبعاد الجنود عن طريق الأذى -القوة الجوية والطائرات دون طيار- أو التكنولوجيا التي يمكن أن تسرعَ من تقديم العلاج الطبي الفوري. إنَّ الأشياء التي تبقي العدو على مسافة بعيدة أو تحمي الجنود من الأذى، مثل الطائرات الحربية والدروع الواقية من الرصاص وأجهزة الكشف عن القنابل على جانب الطريق، كانت محور اهتمام الغرب.

كانت الأولوية العسكرية الشاملة للغرب تكمن في مكان آخر في المعركة بين القوى العظمى، ومن الناحية التكنولوجية يعني ذلك الاستثمار في الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لتتناسب مع الصواريخ الصينية أو الروسية على سبيل المثال أو في الذكاء الاصطناعي العسكري لمحاولة التفوق عليها.

انتهى الأمر بالحكومة الأفغانية التي علقت بين الجانبين المتقاتلين، إلى أنَّ لديها قواسم مشتركة مع طالبان أكثر من التحالف.

لم تكن هذه حربًا اختيارية بل كانت تهديدًا أساسيًّا، ومع ذلك لم تتمكن الحكومة من التقدم بالطريقة نفسها التي فعلتها طالبان؛ وقد أعاق تطورها حقيقة أنَّ الجيوش الأجنبية قدمت لها القوات الرئيسية المتقدمة تكنولوجيًّا، ورغم أنَّ الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية ساهما بكل تأكيد في توفير الجثث للقتال عبر خسارة العديد من الأرواح، فإنَّهما لم يكونا في وضع يسمح لهما بإنشاء أو حتى تشغيل أنظمة متقدمة بمفردهما. وقد ترددت الدول الغربية في تزويد الأفغان بأسلحة متطورة، خوفًا من عدم الحفاظ عليها أو حتى أن ينتهي بها الأمر في أيدي طالبان.

لنأخذ على سبيل المثال القوات الجوية الأفغانية زوِدَت ودُرِّبَت على أقل من عشرين طائرة مروحية، وقد أتاح ذلك قدرًا بسيطًا من الدعم الجوي القريب، لكنه كان بعيدًا عن أن يكون متطورًا، وكان العمل مع الولايات المتحدة يعني أنَّ أفغانستان لم تكن لديها الحرية في البحث عن مكان آخر لتلقي التكنولوجيا؛ لقد كانت، في الواقع عالقة في مرحلة متوقفة من التطور.

نستنتج مما سبق أنَّ التكنولوجيا ليست محركًا للصراع ولا ضامنة للنصر. بدلًا من ذلك هي عامل تمكين وحتى الأسلحة البدائية يمكن أن تحملَ النجاح عندما تكون في أيدي البشر المتحمسين والصبورين المستعدين -والقادرين- على تحقيق التقدم المطلوب.

كما يخبرنا أنَّ ساحات القتال في الغد قد تبدو مثل أفغانستان إلى حد كبير، فسوف نرى عددًا أقل من الصراعات التكنولوجية البحتة التي ينتصر فيها الجيش بأكبر قوة نيران والمزيد من التكنولوجيات القديمة والجديدة التي تُنْشَر جنبًا إلى جنب، ويبدو الأمر بهذه الطريقة فعلًا في صراعات مثل الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وهذا النمط قد نشهده أكثر بمرور الوقت. ربما لم تعد التكنولوجيا قادرة على تحقيق النصر في الحروب، لكن الابتكار قادر على تحقيق النصر – خاصة إذا كان أحد الطرفين يخوض معركة وجودية.

الكاتبان:

كريستوفر أنكيرسن: أستاذ مشارك للشؤون العالمية في جامعة نيويورك. خدم في الأمم المتحدة في أنحاء أوروبا وآسيا من عام 2005 إلى عام 2017 ومع القوات المسلحة الكندية من عام 1988 إلى عام 2000. وهو مؤلف ومحرر العديد من الكتب، بما في ذلك “سياسة التعاون المدني العسكري” و”مستقبل الشؤون العالمية”، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

مايك مارتن: ضابط سابق بالجيش البريطاني يتحدث اللغة البشتونية، وقد خدم عدة جولات في أفغانستان بوصفه ضابطًا سياسيًّا، حيث قدم المشورة للجنرالات البريطانيين بشأن نهجهم في الحرب. وهو الآن زميل زائر في دراسات الحرب بالكلية الملكية في لندن ومؤلف كتاب “حرب حميمة”، الذي يرسم صورة الحرب في جنوب أفغانستان منذ عام 1978. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من الكلية الملكية في لندن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى