أمنأمندولي

معايير التفكير المطلوبة في التحليل الاستخباري

تولي المؤسسات العسكرية والأمنية أهمية كبيرة للعمل الاستخباري. ونظرا لأن المحللين  الاستخباريين يمثلون ركيزة أساسية في الدورة الاستخبارية، فقد حظي تطوير مهاراتهم بأولوية بارزة من أجل تحسين قدراتهم. حيث ينبغي أن تتصف تحليلاتهم واستنتاجاتهم بالموضوعية، وأن تستند افتراضاتهم المنطقية على الحقائق.

وقد أعتنى الجيش الأميركي تحديدا بتلك القضية. فخصص نشرة أصدرها في أغسطس عام 2014 لموضوع (التحليل الاستخباري). وتضمنت تلك النشرة فصلا كاملا عن المهارات التحليلية المفترض توافرها لدى محللي الاستخبارات من قبيل مهارات التفكير الأساسية، والتفكير النقدي والإبداعي، وكيفية تجنب المغالطات التحليلة. وقد ركزت النشرة على قضية التفكير النقدي باعتبار أن النشاط الفكري المنضبط في تحليل المعلومات وتركيبها بشكل فعال وبارع يساهم في إجراء التحليل الاستخباري بشكل احترافي.

وتستعرض السطور القادمة بايجاز المعايير الفكرية التي شددت نشرة الجيش الأميركي على ضرورة توافرها لدى المحلل الاستخباري. ويُقصد بالمعايير الفكرية هنا تلك المعايير التي يستخدمها ذوي التفكير النقدي لتقييم مستوى فعالية التحليل الاستخباري ومدى جودة المنتجات الناتجة عنه.

  • المعيار الأول: الوضوح. الوضوح هو المعيار الأساسي والمفتاحي. فإذا كانت الأسئلة التي يحاول المحلل الإجابة عليها، والمعلومات التي يستخدمها، والاستنتاجات التي يستخلصها، والافتراضات التي ترشد تفكيره؛ إذا كان كل ذلك غير واضح، فلا يمكنه تحديد ما إذا كانت الأمور التي يحللها دقيقة أو ذات صلة بالموضوع أو منطقية. ولذلك، ينبغي على المحللين أن يسعوا جاهدين لتقديم المعلومات بصورة واضحة للغاية بحيث يفهمها من تُرفع إليهم التقارير الاستخبارية.

  •  المعيار الثاني: الدقة. الشخص الدقيق هو الذي يعرض شيئا معينا طبقا لما هو عليه بالفعل. فغالبا ما يصف الناس الأشياء أو الأحداث بصورة غير دقيقة. أما ذوي التفكير النقدي فيستمعون بعناية للعبارات، وعندما يكون هناك سبب للشك، يتسائلون ما إذا كان ما يسمعونه صحيحا أو دقيقا. فعبارة تصف تفسيرا او افتراضا او استنتاجا معينا قد تكون واضحة، ولكنها غير دقيقة. وينبغي التنبه إلى أن معيار الدقة قد يصعب التنبه إلى مدى تحققه، حيث يميل البشر عادة  للتفكير من منظور يتمركز حول الذات، ومن ثم يصعب عليهم تقييم مدى دقة أفكارهم الخاصة. بمعنى انهم يميلون غالبا للاعتقاد بأن أفكارهم دقيقة، فقط لأنها أفكارهم؛ ويعتبرون أن أفكار  المختلفين معهم غير دقيقة.

  • المعيار الثالث – الإحكام. أن يكون الشخص مُحكما يعني أن يعطي التفاصيل اللازمة لشخص آخر ليفهم بشكل محدد ماذا يعني. والإحكام هو كذلك  المعيار الذي يحدد ما إذا كانت الافتراضات والحقائق تحتوى على ما يكفي من التفاصيل لتقييمها باستخدام معايير: الملائمة، والوضوح، والدقة. ومع ذلك ينبغي على المحلل ألا يضحى أبدا بالوضوح في سبيل الإحكام.

  • المعيار الرابع – الصلة. يكون الشئ ذا صلة بالموضوع عندما يكون مرتبطا ومؤثرا على السؤال الذي يفكر فيه المحلل. ويشجع التفكير ذو الصلة الأشخاص على التعرف على الحقائق والمعلومات والأسئلة والافتراضات والتفسيرات ووجهات النظر التي ينبغي عليهم وضعها جانبا لعدم صلتها بالقضية الأساسية. فالتفكير ذات الصلة يبقي على الطريق الصحيح.  وغالبا ما يكون الناس مشتتين في طريقة تفكيرهم لافتقادهم للتفكير المنضبط، فيهيمون في مناقشة قضايا جانبية قد تكون مُرضية فكريا، ولكن ليس لها تأثير على القضية أو المسألة محل التحليل.

  • المعيار الخامس – العمق . يفكر البشر بعمق عندما يقعون تحت سطوة قضية أو مشكلة معينة. ويظهر التفكير العميق أيضا في حالة تحديد جوهر التعقيدات الكامنة في قضية معينة بحيث يجري التعامل مع تلك التعقيدات بطريقة غير سطحية. وينطوي التحليل الاستخباري بصورة عامة على فحص للمواقف المعقدة، ويستلزم استنتاجات عميقة.

  • المعيار السادس – الاتساع. عندما ننظر في قضية معينة من جميع وجهات النظر المرتبطة بها فنحن حينئذ نفكر بطريقة متسعة. فالمرء يفكر في قضية معينة بصورة متسعة عندما يدرك وجهات النظر الأخرى بشأنها. وعندما يتسامح فكريا مع وجهات النظر المعاكسة سيتمكن من فهمها. وبذلك يساهم اتساع التفكير في تحسين جودة الاستنتاجات والتوصيات التي يتم تطويرها أثناء التحليل الاستخباري.

  • المعيار السابع – المنطق. عندما نفكر، نضع الأفكار جنبا إلى جنب في نظام معين. وعندما تدعم الأفكار المجمعة بعضها بعضا، وتبرز منطقًا محددا، يكون التفكير عندئذ منطقيا. وإذا كانت المعلومات والاستنتاجات وما شابه تبدو بلا معنى، يكون التفكير عندئذ غير منطقي.

  • المعيار الثامن – الأهمية.  عندما نقوم بالتفكير، ينبغي أن نركز على أكثر المعلومات و الأفكار والمفاهيم أهمية في الإجابة على التساؤلات الخاصة بالموضوع محل التحليل. فغالبا ما يفشل كثيرون في التفكير بقضية معينة لعدم إدراكهم أن العديد من الأفكار ذات الصلة بتلك القضية، قد لا تكون على نفس القدر من الأهمية.

  • المعيار التاسع- الإنصاف. التفكير بإنصاف يعني التفكير بشكل عقلاني يضع في الاعتبار وجهات نظر الآخرين. وهو يساعد على التعامل مع ميل البشر لإتباع أهوائهم وخداع الذات والتماهي مع التحيزات الشخصية التي تهيمن بسهولة على التفكير البشري. ويسعى معيار الإنصاف إلى الوقاية من التفكير المتمركز حول الذات، فبمجرد دخول الذاتية في عملية التفكير يصبح التفكير النقدي مسمما. وعند قياس مدى الإنصاف في قرار معين، يسأل صاحب التفكير النقدي نفسه: “هل تشوه مصلحتي الذاتية تفكيري ؟”.

وتذهب نشرة الجيش الأميركي إلى أن المحلل عندما يتدرب على التفكير التحليلي المدروس، وعندما يتمكن من تقييم مدى جودة منتجاته باستخدام المعايير الفكرية السابق ذكرها، سينتج منتجات استخبارية أكثر قوة واحترافية، بحيث تنخفض فيها نسب الخطأ والغموض.

أحمد مولانا

ماجستير علاقات دولية، باحث في مجال الدراسات الأمنية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى