مع اقتراب العدوان الإسرائيلي على غزة من عتبة التسعين يومًا، كثفت إسرائيل ضرباتها النوعية لإيران ضمن سياسة “تدفيع الثمن”، فقتلت في غارة جوية على منطقة السيدة زينب بدمشق في 2 ديسمبر ضابطين من الحرس الثوري هما العقيد محمد شورجه والعقيد بناه تقي زادة، وختمت ديسمبر بقصف منزل العميد رضي موسوي في دمشق مما أدى إلى مقتله، وهو الضابط الإيراني الأبرز في الشام، حيث عمل مع فيلق القدس بلبنان وسوريا طيلة ثلاثين عامًا، عبر إشرافه على الوحدة “2250” المختصة بنقل اللوجستيات والأسلحة النوعية بما فيها الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي من إيران إلى لبنان وسوريا.
بين هذين الاغتيالين، نفذ قراصنة إسرائيليون هجومًا سيبرانيًّا واسعًا على محطات الوقود الإيرانية، مما عطّل نحو 60٪ منها عن العمل بالنظام الإلكتروني الذكي لمدة يوم على الأقل، وأدى لاصطفاف السيارات واللجوء إلى الأسلوب اليدوي مؤقتًا لحل الأزمة.
إسرائيل وحرب الجبهات المتعددة
ترى تل أبيب أن طهران تشن عليها حربًا بالوكالة عبر سبع جبهات، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت بقوله: “إسرائيل تتعرض لحرب من سبع جبهات، وترد في ستة منها”. وتتهم إسرائيل إيران بالوقوف خلف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتسليح المليشيات الشيعية التي تطلق طائرات مسيرة من العراق وسوريا، فضلًا عن دعمها للمقاومة الفلسطينية، وحزب الله الذي نفذ هجمات أودت بحياة 15 إسرائيليًّا حتى منتصف الحرب.
وبالرغم من دعوات بعض الخبراء الإسرائيليين لاستهداف إيران مباشرة باعتبارها “رأس الأفعى”، فإن قيود واشنطن حالت دون اتساع المواجهة إلى حرب إقليمية، ما دفع إسرائيل لاعتماد المزج بين الاغتيالات والهجمات السيبرانية، مع تجنب ضربات عسكرية مباشرة داخل الأراضي الإيرانية في الحرب الحالية.
أهداف نهج الاغتيالات
يسعى نهج الاغتيالات إلى حرمان طهران من الكوادر العسكرية المتمرسة. فالعميد رضي موسوي قضى عقودًا في الشام وأسهم في بناء قوة حزب الله والمليشيات الموالية لإيران. نعته فصائل كبرى من العراق ولبنان، فيما صلى على جثمانه المرشد علي خامنئي بحضور كبار القادة العسكريين، ما يعكس رمزية شخصيته.
اختيار سوريا كساحة رئيسية للهجمات الإسرائيلية يعكس انخفاض تكلفتها السياسية مقارنة بلبنان المحكوم بمعادلة ردع رسمها حزب الله، أو اليمن البعيد سياسيًا وجغرافيًا، أو العراق الذي يثير أي تصعيد فيه توترًا مع واشنطن وحكومته المركزية.
إيران ومعضلة الرد
تواجه طهران معضلة في كيفية الرد. فحزب الله ينخرط في دعم محسوب لغزة دون حرب شاملة، بينما الحوثيون والمليشيات في العراق وسوريا يشنون هجمات محدودة الأثر. إطلاق مزيد من الصواريخ أو المسيرات لن يعادل اغتيال موسوي. أما خيار اغتيال ضباط إسرائيليين أو استهداف مصالح إسرائيلية في الخارج، فيعترضه سجل إخفاقات محاولات سابقة في قبرص وتركيا.
إيران تدرك أن الرد الخافت سيشجع تل أبيب على مواصلة سياستها. فقد سبق لإسرائيل اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده (2020) والقيادي حسن صياد خدايي (2022) دون رد إيراني مكافئ، مما فتح الباب لتكرار الاستهدافات.
السيناريوهات المحتملة
من المحتمل أن تتجاهل إيران الرد المباشر وتواصل استراتيجيتها طويلة الأمد المتمثلة في تطويق إسرائيل بحزام ناري إقليمي يستنزفها، معتبرة أن المكاسب الاستراتيجية تفوق الخسائر التكتيكية المتمثلة في فقد بعض القادة. فهذا النهج صمد رغم خسارة قاسم سليماني عام 2020 دون أن يتراجع النفوذ الإيراني.
لكن هذا الخيار يضعف الردع الإيراني ويحرج النظام أمام جمهوره، ما يرجح لجوء طهران إلى ردود شكلية محسوبة تحفظ ماء الوجه، دون توسيع الصراع إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

