ما الذي تريده إسرائيل من القيادة السورية الجديدة؟

    أسامة عيسى
    الجمعة 7 مارس 2025
    ما الذي تريده إسرائيل من القيادة السورية الجديدة؟

    “الإنسان عدوُّ ما يجهل”. حكمة من التراث العربي القديم يُنسبها البعض إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومعنى الحكمة لا يقتصر على الأفراد، بل يمتدّ إلى الدول: فكثيرًا ما تُبالغ الدول في عداواتها وتهديداتها لأنها ببساطة لا تعرف الطرف المقابل، أو لا تفهم نياته وقدراته.

    هذا بالضبط ما يحدث مع إسرائيل اليوم بعد سقوط نظام الأسد. فقد كان النظام السابق بمثابة “حديقة خلفية” لإسرائيل: قواعد اللعبة معروفة، والحدود الجنوبية منضبطة، وانتشار القوات السورية جنوبًا كان يتم عمليًا بإجازة إسرائيلية من حيث الأنواع والأعداد والمهام. أمّا الآن، فكل شيء تغيّر: إدارة سورية جديدة بصندوق مغلق—نيات غامضة، تحركات مبهمة، وأهداف غير مُصرَّح بها.

    عدو إسرائيل في سوريا الآن هو «المجهول»

    رغم تأكيد حكومة الشرع مرارًا التزامها باتفاقية فضّ الاشتباك ومنطقة العزل لعام 1974، لم يكن ذلك كافيًا لطمأنة إسرائيل. ويبدو أن فتح قنوات تواصل أمنية أو دبلوماسية وحده لا يبدّد القلق. فما الذي تريده إسرائيل من القيادة السورية الجديدة؟

    ماذا تريد إسرائيل؟

    تسعى إسرائيل إلى إعادة إنتاج معادلة السيطرة القديمة على الجبهة الجنوبية، عبر حزمة مطالب ضمنية يمكن تلخيصها في الآتي:

    • منحها حق التأثير العملي في انتشار الجيش السوري جنوبًا: نوع القوات، حجمها، تسليحها، ومهماتها.
    • وصول استخباري أعمق إلى معلومات بنية الدولة والجيش الجديدين، لتقليص عنصر المفاجأة.
    • تثبيت خطوط حمراء جديدة أشد صرامة من ترتيبات 1974، مع إمكان توسيعها ميدانيًا.
    • — لدى بعض الدوائر المتطرفة — شهية توسعية كامنة لضمّ القنيطرة إلى منظومة الجولان المحتل.

    أدوات الضغط الإسرائيلية

    تعتمد تل أبيب مزيج «العصا والجزرة» لدفع دمشق نحو تلك الشروط:

    • تصعيد إعلامي ورسائل ردعية متكررة.
    • رعاية شبكات نفوذ محلية: دعم فصائل درزية في السويداء ودمشق، وتعزيز “قسد” شرقًا.
    • تحريض سياسي عبر واشنطن ومراكز القرار الغربية.
    • ضغط عسكري متدرج قد يصل إلى استهداف مباشر لعناصر وقواعد تابعة للإدارة الجديدة.

    ما يثير قلق إسرائيل بصورة خاصة أن الرئيس أحمد الشرع بدأ تشكيل فرق عسكرية في درعا والقنيطرة وأخرى في السويداء، مع تعزيز القبضة الأمنية على مؤسسات الدولة جنوبًا—كل ذلك خارج إطار تفاهمات مُسبقة مع تل أبيب. غياب الشفافية يدفع إسرائيل لتوقع الأسوأ واعتبار سوريا تهديدًا مرشحًا لأن يفوق غزة ولبنان في المدى المتوسط.

    خيارات إسرائيل المطروحة

    • تصعيد ضاغط مزدوج: مواصلة الرسائل النارية والعمليات الموضعية بالتوازي مع فتح قنوات تواصل أمنية—لانتزاع قيود على الحركة والانتشار والتسليح والمعلومات.
    • هندسة خرائط داخلية: إبقاء خيار التقسيم المرن على الطاولة بالتشارك مع أطراف دولية—جنوبٌ درزيٌّ موسّع بواجهة عربية، كيان علوي في الساحل، وتطويق «الدولة السنية» بطوق أقليات.

    موقع سوريا وحدود المناورة

    تواجه القيادة السورية الجديدة إرثًا ثقيلًا: مؤسسات مُرهَقة وفاسدة، أمن هش، أقليات مضطربة، اقتصاد شبه منهار، ومحيط عربي منقسم، مقابل دعم أمريكي مفتوح لإسرائيل. هامش الخيارات ضيّق، لكن ليس معدومًا.

    ماذا بوسع دمشق أن تفعل؟

    1. مسار تفاوضي محكوم: تفعيل قنوات إقليمية (تركيا، مصر، الأردن، السعودية) ودولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي) لصياغة ترتيبات جنوبية جديدة تُحدِّث روح 1974 دون مساس بالسيادة.
    2. توازن ردعي منخفض الكلفة: بناء مواجهة أمنية/مدنية غير تقليدية على تخوم الاحتلال—ضغط جماهيري منظّم (نموذج “مسيرات العودة” 2018) يُربك انتشار إسرائيل ويستنزفها معنويًا وماديًا بلا انزلاق لحرب شاملة.
    3. إدارة الغموض البنّاء: الإبقاء على غموض محسوب في النيات العسكرية مع تقديم طمأنة انتقائية حول سقوف الانتشار جنوبًا—لخفض احتمالات الضربات الوقائية الإسرائيلية.
    4. تحصين الجبهة الداخلية: استيعاب الهواجس الدرزية والعشائرية بسياسات إدماج وخدمات عاجلة، لكسر مسارات الاختراق الإسرائيلي.
    5. تنشيط رافعات دولية: الاستثمار في تكلفة السمعة الإسرائيلية عالميًا عبر توثيق الانتهاكات، وربط أي تصعيد إسرائيلي بمخاطر انفلات حدودي يهدد الاستقرار الإقليمي.

    الخلاصة: معادلة المسارين

    إن نجحت القيادة السورية في الجمع بين مسار تفاوضي دولي يضبط الإيقاع، ومسار احتجاجي مدني يرفع كلفة التوغل الإسرائيلي ويخلق إحساسًا بساعة رملية دبلوماسية، فثمة فرصة لفرض إعادة تقدير موقف في تل أبيب قبل الانزلاق إلى حرب استنزاف جديدة على غرار لبنان وغزة. أمّا إذا ظل التقدم الإسرائيلي إلى عمق الجنوب بلا عوائق ميدانية أو كلفة سياسية، فسيبقى من الطبيعي أن تطلب إسرائيل المزيد—وبسرعة.

    أسامة عيسى

    باحث في الدراسات العسكرية والشأن السوري

    0
    العلامات:
    تقديرات

    التعليقات (0)

    اترك تعليقاً

    الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *