استراتيجيسياسيعسكريمقالات

من العقيدة إلى العمليات العسكرية: الأهداف الإسرائيلية في الحرب بين المعلن والمبطن

منذ عام 2019، بدأ الجيش الإسرائيلي بإعادة تقييم حروبه السابقة ونتائجها في خضم التبدل في طبيعة التحديات الأمنية التي يواجهها الكيان، والتي تمثلت في الحروب الهجينة مع التنظيمات المسلحة داخل وخارج الأراضي المحتلة، وتبدل موازين القوة الإقليمية، ما استدعى تطوير عقيدة عسكرية جديدة تحاول إنهاء معضلة النصر الحاسم.

تبعًا لذلك، وضعت قيادات الجيش الإسرائيلي “عقيدة النصر” وخطتها التنفيذية “تنوفا” (القوة الدافعة أو الزخم بالعربية)، التي تتضمن رفع مستوى التنسيق بين القوات البرية والجوية إلى مستوى المناورة متعددة المستويات، بالإضافة إلى دمج قدرات الحرب الهجينة في العمليات العسكرية.

في هذا الصدد، مثلت عمليات “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من ردة فعل إسرائيلية، اختبارًا حقيقيًّا لفعالية العقيدة العسكرية الجديدة أمام تهديد نوعي كسرت فيه قواعد الاشتباك التي احتكم إليها صراع الطرفين –إسرائيل وحماس– طوال 18 عامًا.

بينما احتفظت إسرائيل ببعض خيوط عقيدتها السابقة “عقيدة الضاحية 2006” -مثل استراتيجية “جز العشب” وتوظيف الضربات الجوية الواسعة ضد القطاع المدني- تجلّت العديد من عناصر ومحددات عقيدة النصر وخطة تنوفا وخطوطهما التنفيذية في معاركها المختلفة، كدخول القوة البريّة إلى القطاع، وجنوب لبنان وسوريا، وتوسعة الحرب إقليميًّا للتصدي لما يصفه نتنياهو بـ “حلقة اللهب”.

بالتالي، في ظل التناقض بين الخطاب السياسي والسلوك العسكري الإسرائيلي، يمكن استنباط الأهداف الحقيقية للحرب الإسرائيلية من خلال قراءة وإعادة تقييم التحولات البنيوية والاستراتيجية والتقنية لجيش الاحتلال، وانعكاساتها على أنماط العمليات العسكرية.

الخطاب المعلن والسلوك المناقض

تكتسي الأهداف الإسرائيلية غموضًا يظهره التناقض بين التصريحات المعلنة والسلوك على أرض المعركة، حيث صرحت القيادة السياسية الإسرائيلية، في مواضع متفرقة، أنَّ أهداف حربها على قطاع غزة تتمثل في ثلاثة محاور: وهي، أولًا، هزيمة حماس وإنهاء حكمها في القطاع. ثانيًا، إعادة الأسرى. ثالثًا، ضمان عدم تكرار أي تهديد مستقبلي قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية. (الجزيرة نت 2025)

في المقابل، وبصورة متصلة، تداولت دراسات متفرقة لمراكز أبحاث مقربة من تل أبيب تحليلات حول الأهداف الأوسع للحرب، والتي تمثلت في إعادة بناء الثقة لدى اليهود بكون إسرائيل لم تزل وطنًا آمنًا للاستيطان، وذلك بغية إيقاف الهجرة العكسية إلى الخارج، بالإضافة إلى إخراج حماس من المشهد السياسي على المستويين الفلسطيني -الفلسطيني والفلسطيني- الإسرائيلي. (حباس 2023)

بالنظر في المعطيات أعلاه، يتمثل السيناريو الافتراضي لتحقيق الأهداف المرجوّة، في لجوء الجيش الإسرائيلي إلى عمليات نوعية لتحرير الأسرى، وربما استهداف مراكز ثقل حماس في القطاع، بالتزامن مع حراك سياسي لعزل المقاومة الفلسطينية وإقصائها من المشهد السياسي. ما يعني أنَّ نمط العمليات الأكثر تناسبًا مع الأهداف المعلنة يظل في تدخل محدود وخاطف لوحدات القوات الخاصة وبإسناد جوي مركز، على غرار عملية الجيش الإسرائيلي في عام 1976 لتحرير الرهائن من مطار عنتيبي في أوغندا، التي نُفذت بواسطة 100 جندي من القوات الخاصة خلال ساعة ونصف.

على النقيض، اعتمد الجيش الإسرائيلي على القصف الجوي المكثف لأهداف مدنية دون تمييز، فخلال الـ 14 شهرًا السابقة للهدنة -في يناير 2025- رمى سلاح الجو الإسرائيلي أكثر 70 ألف طن من المتفجرات على مساحة غزة المحدودة -وهو ما يفوق إجمالي أطنان القنابل المرمية على لندن ودرسدن وهامبورج طوال خمس سنوات من الحرب العالمية الثانية- ما أسفر عن قتل قرابة 47 ألف مدني وتدمير 80% من بنية القطاع التحتية وتهجير سكانها قسريًّا إلى الجنوب الذي لا يسلم من الضربات الإسرائيلية حتى اللحظة الراهنة. (Pape 2024)

وبحسب تقدير المتخصصين لأثر التفجير وشظايا المقذوفات، فقد استخدام الجيش الإسرائيلي قنابل أمريكية موجهة بقوة تفجيرية تصل إلى 900 كجم (France 24 2024)، بالإضافة إلى قنابل غير موجهة بقوة تفجيرية مماثلة، توزعت النسبة بينهما بحوالي 45% و55% على التوالي (Al Jazeera net 2023)، ما يعني أنَّ قصف المدنيين كان عملًا متعمدًا وبشكل ممنهج.

وفي ظل عدم امتلاك الجيش الإسرائيلي لمعلومات استخباراتية دقيقة عن مواقع الأسرى، فإنَّ الهدف الأول المتمثل في تحريرهم يبدو غير واقعي، وليس ضمن أولويات العمليات الإسرائيلية، وهو ما تؤكده تصريحات لمصادر في الجيش، أشارت إلى أنَّ عملية إنقاذ الرهائن، صعبة وشبه مستحيلة  (Abraham 2023)  (Bisharat 2024)، وهو ما استشعره أهالي المحتجزين الذين خرجوا في تظاهرات ضد حكومة نتنياهو في شوارع تل أبيب الرئيسية حملوا فيها صور ذويهم مع عبارات “ماذا لو كانوا أبناءك؟” في إشارة إلى عدم اكتراث نتنياهو بهم. (Harel 2025)

في واقع الأمر، قُتل العديد من الأسرى جراء نمط عمليات الجيش الإسرائيلي بما في ذلك ثلاثة تم رميهم بالنار خطًأ أثناء العمليات البرية، وسقط 6 أسرى آخرون جراء القصف الجوي  (Reuters 2024)، وبحسب شهادات الأسرى المحررين، في نوفمبر 2023 فإنَّ أكبر مصدر خوف لم يكن في احتجازهم من قبل حماس، لكن في أن يلقوا حتفهم جراء القصف الجوي الإسرائيلي  (Abraham 2023)

على ذات المنوال، يقلل الاستهداف الشامل وغير الانتقائي للقطاع المدني في غزة، من دعوى الاستهداف النوعي لحماس أكان ذلك على صعيد البنية أو الأشخاص. ومن ناحية أخرى، فإنَّ توسع رقعة الحرب إقليميًّا وقيام إسرائيل بشن هجمات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى إيران، يظهر بنك أهداف عسكرية وسياسية أبعد من الخطاب المعلن، وهوا ما يستدعي إعادة تقييم الأهداف الحقيقية لتل أبيب من الحرب في ظل إفصاحات الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي ما قبل طوفان الأقصى وتجليات العقيدة العسكرية على أرض المعركة.

إفصاحات الموقف الاستراتيجي والعقيدة العسكرية

بتقييم الموقف الاستراتيجي للجانب الإسرائيلي ما قبل 7 أكتوبر، كان نتنياهو -والذي يعد أكثر رئيس وزراء شغلًا للمنصب- يخوض مناورة صعبة في الداخل أمام موجات الغضب المتصاعدة وتهم الفساد المتراشقة عليه منذ بداية 2019 والتي أودت بحكومته في 2021، قبل أن يعود -بمناورة سياسية أخرى- في 2022 من خلال التحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة للحصول على أغلبية الكنيسيت واستعادة رئاسة الوزراء  (Jazeera 2023).

إلا أنَّ بنيان التحالف المتعصب ظل على الدوام في تصدع وتحت تهديد الانهيار. فعلى صعيد الرأي العام، ولّد مشروع التعديلات التشريعية انتفاضة شعبية ضد نتنياهو والتحالف الحاكم، الذي سرعان ما أنتج انقسامًا على مستوى الحكومة، لا سيما بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع “يواف جالانت” والذي انتهى بإقالة الأخير -قبل أن تتم إعادته إلى منصبه بعد طوفان الأقصى ومن إقالته مرة أخرى- وبحسب تقارير إسرائيلية، فإنَّ المعارضة كانت تستعد للاستيلاء على السلطة في ظل السقوط الوشيك للحكومة اليمينية المتطرفة (Raz 2023).

امتدت حالة الاضطراب والانقسام من التظاهرات الشعبية إلى المؤسسات الاقتصادية والتعليمية وحتى المؤسسة العسكرية التي بدأ بعض رجالها يرفضون الخدمة، ما دفع باليمين المتطرف إلى تشكيل مليشيات مسلحة خاصة به، وهو ما يوضح الشرخ بين المؤسسة العسكرية والسياسية (Matar 2023)، والذي تجلّى في بيان الرئيس “إسحاق هرتسوج” الذي ترجى فيه الحكومة للتراجع عن مشروع التعديلات للحفاظ على وحدة الصف الإسرائيلي (Jazeera 2023)

إقليميًّا، كانت إسرائيل في موقف حرج مقابل إيران وحلفائها. فضمن طموحهما الإقليمي، سعت طهران وتل أبيب، كل على حدة، لإعادة ضبط توازن القوة ورسم البنية الجيوسياسية للشرق الأوسط لصالحها، ما ولد عجلة التنافس بين القوتين الإقليميتين وأدى إلى تكوين بؤر صراع فيما بينهما (الصمادي 2024).

إسرائيل عبرّت عن قلقها من تعاظم النفوذ الإيراني وطموح طهران النووي، وترى بضرورة التعاطي معه وفق الخيارات العسكرية. في المقابل سعت طهران إلى تبني سياسة تمرير الصراع والموازنة من خارج النظام عبر دعم مجموعة من التنظيمات من غير الدول في محيط الأراضي المحتلة، بما يحقق لها الردع عبر خطوط الدفاع والهجوم المتقدمة. فقامت بتزويد حزب الله بمسيرات متطورة، ودربت المليشيات الشيعية في سوريا وساهمت في بناء القدرات الصاروخية للحوثيين والمليشيات العراقية، ما أدى إلى تطويق إسرائيل، وفقدانها العمق الاستراتيجي  ( Center for Preventive Action 2024)

فعلى سبيل المثال لا الحصر، بتسليط الضوء على التوازن بين إسرائيل وحزب الله نموذجًا، كان حزب الله قد تمكن من إزالة العمق الاستراتيجي الذي اكتسبته إسرائيل من خلال قرار مجلس الأمن 1701 على أعقاب حرب 2006، والذي نص على تعريف منطقة عازلة -“الخط الأزرق”- بطول 120كم على مدى الحدود الجنوبية للبنان واعتبارها منطقة خالية من السلاح، وبالتالي كانت صواريخه تتموضع على خط التماس مع الجانب الإسرائيلي (Travers 2024).

بمقارنة التبدل في موازين التحديات، نجد أنَّ أهم محاور عقيدة النصر تمثل في صناعة تبديل هيكلي واستراتيجي لمجابهة التهديدات المستجدة، سواء على الأصعدة الجيوسياسية المتمثلة في توسع رقعة التهديد إقليميًّا، وكذا على مستوى العمليات العسكرية، من الناحية الكميّة واحتمالية تعدد جبهات القتال، وكذا الناحية النوعية المتمثلة في اعتماد الأطراف المهاجمة على تكتيكات الحروب الهجينة بين القصف الصاروخي وحرب العصابات.

وبناء على ذلك، يمكن الاستنباط بأنَّ التطورات التالية لطوفان الأقصى لم تكن بعيدة عن تحسبات الإسرائيليين ومضامين عقيدة النصر وخطتها التنفيذية؛ إذ وضعت الحسابات الإسرائيلية نصب أعينها احتمال خوض حرب إقليمية، وضرورة اللجوء إلى العمليات البريّة على عدة جبهات، ما يعني أنَّ مجريات الحرب الدائرة وردود الأفعال الإسرائيلية، لم تكن تصعيدًا فرضه الأمر الواقع، ولكن جزءًا من حسابات استراتيجية تم تطويرها على مدى أربعة أعوام سابقة للحرب.

وعليه، بقراءة ثلاثية الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي، والتبدل في العقيدة العسكرية الإسرائيلية “عقيدة النصر”، وطريقة خوض الجيش الإسرائيلي للمعارك، يمكن استنتاج أهداف استراتيجية أخرى سعت حكومة نتنياهو إلى تحقيقها كما سيتم تفصيله في الجزء التالي.

الأهداف الإسرائيلية في الحرب

داخليًّا، أرادت حكومة نتنياهو استغلال الحرب في غزة وسيلةً لإنقاذ النظام وامتصاص الغضب الشعبي، وربما إعادة تجسير العلاقة بينها والمجتمع الإسرائيلي، من خلال تصدير الخطاب الحماسي عن توحيد الصف في ظل حالة الخوف التي صنعتها عمليات طوفان الأقصى.

في غزة، يظل هدف “تدمير حماس” بلا دلالة واضحة، إلا أنَّ نهج العمليات العسكرية، يظهر أنَّ الهدف الأبرز لجيش الاحتلال يتمثل في تدمير القطاع المدني. حيث تدرك إسرائيل أنَّ التحدي الأكبر في مواجهة حماس يكمن في قاعدتها الشعبية الواسعة في قطاع غزة، والتي تزداد تعقيدًا مع صعوبة القضاء على حماس عسكريًّا (حباس 2023).

بأخذ هذا العامل وتقييمه في ظل القصف الجوي العنيف الذي انتهجه الجيش الإسرائيلي، وبالمقارنة مع حالات تاريخية مماثلة، يمكن الاستنتاج أنَّ إسرائيل عمدت إلى تطبيق “مبدأ القصف الاستراتيجي” الذي يهدف إلى تدمير القطاع المدني، ماديًّا ومعنويًّا، بما يكسر العلاقة بين القطاعين المدني والعسكري. (العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والمجتمع المدني)  (Douhet 1999).

وفي ذات المسعى، هدف الجيش الإسرائيلي إلى فرض حصار شديد تعجز معه حماس عن انتشال القطاع المدني ويؤدي إلى بحث المجتمع عن منقذ بديل (حباس 2023). فضمن هجومها البري، عمدت القوات الإسرائيلية إلى تطبيق “خطة الجنرالات” في شمال غزة -مركز ثقل حماس الرئيسي- التي تعتمد على فرض حصار كامل على شمال القطاع وتهجير سكانه بغية تصفية مقاتلي المقاومة وتدمير قدراتهم وبنيتهم التحتية من الأنفاق والمخازن  (Udi and Caner 2024).

 الخطة التي وضعها مجموعة من الضباط المتقاعدين، يتصدرهم الجنرال إيلاند -وتتوافق خطوطها العريضة مع خطة تنوفا- ركزت على استخدام التجويع أداة عسكرية ظل المدنيين الرافضين للتهجير، وإلغاء الفاصل بين ما هو مدني وعسكري بتحويل شمال القطاع إلى مسرح عمليات مفتوح. وبحسب إفادة إيلاند فإنَّ الخطة تسعى إلى احتلال شمال غزة بصورة دائمة (Rapaport 2024)

وبحسب تقارير المجتمع الدولي، منعت قوات الجيش الإسرائيلي قوافل الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من إدخال المساعدات للمدنيين المحاصرين في 149 مناسبة من أصل 165 محاولة في مخيم جباليا فقط، وتكرر النمط ذاته في بقية المناطق المستهدفة وبنفس الوتيرة (Center for Preventive Action 2025).

أبعد من غزة، وما قبل 7 أكتوبر، وضعت إسرائيل في الحسبان حربًا إقليمية واسعة، ورسمت أهدافًا، من الناحيتين الموضوعية والجغرافية، تمتد إلى تغيير معادلة توازن القوة مع إيران. (Satloff, Ross and Makovsky 2023)وبالتالي كانت الحرب مع كل من حزب الله، والحوثيين والمليشيات في العراق والعمليات في سوريا أهدافًا أصيلة للحرب منذ البداية؛ حيث تؤكد عملية الاستهداف لقيادات حزب الله، بما في ذلك تفجير ما لا يقل عن 3 آلاف جهاز استدعاء، أنَّ تل أبيب ظلت تستعد لضرب الحزب منذ فترة ليست بالقصيرة. (مركز الجزيرة للدراسات 2024).

وسعت إسرائيل إلى صناعة نصر منهجي، ضمن خطوط استراتيجيتها الكبرى، يتضمن تحولات في البنية الإقليمية للشرق الأوسط التي تصبو إلى إضعاف إيران بصورة مباشرة، من خلال قطع خطوط الإمداد بينها وحلفائها الإقليميين، بالإضافة إلى تشكيل معسكر مضاد عبر تطبيع العلاقة مع الأنظمة العربية التقليدية (Neumann 2024).

وتشير تحليلات إسرائيلية إلى أنَّ تل أبيب عمدت إلى تحقيق هذا المأرب عبر آليتين رئيسيتين، أولًا، إحداث تبدلات سياسية كبرى في أنظمة خصومها ودول المنطقة بما يغير موقفهم السياسي من معاداة إسرائيل نحو التطبيع معها، بما يعيد إنتاج حالات مماثلة للموقف المصري ما بعد حرب أكتوبر وتوقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد. ثانيًا، صناعة تحولات جغرافية في التموضع والسيطرة على الأرض عبر عمل عسكري يقلب الخيارات الجيوستراتيجية للخصوم ويجبرهم على القبول بإسرائيل، على غرار ضم إسرائيل لأجزاء من هضبة الجولان وخلق منطقة عازلة في 1981بما بدل موقف نظام الأسد منها(Shabtai 2024).

وبالربط بين أهداف إسرائيل في البعدين الإقليمي والفلسطيني، يُستقرأ أنَّ من بين أهم الأهداف الاستراتيجية لنتنياهو في حربه، عزل حماس عن حلفائها وفك الارتباط بينها وبينهم من خلال تغيير قواعد الاشتباك بصورة مغايرة للتفضيلات الاستراتيجية لإيران وحلفائها، بما يجعل مخاطر الاستمرار في إسناد حماس عالية ويدفعها (بقية أطراف المحور) إلى إعادة تقييم خيارات إسناد المقاومة الفلسطينية.

حيث استندت قواعد الاشتباك التقليدية بين محور المقاومة وإسرائيل، أن تكون حماس في خط الاشتباك المباشر مع إسرائيل بينما تقوم بقية أطراف المحور بدور الإسناد على الأصعدة اللوجستية وكذا توجيه ضربات منخفضة الشدة بما يحقق معادلة ردع تحول بين إسرائيل وخيار التصعيد (مركز الجزيرة للدراسات 2024).

في ظل هذه المعطيات فضل نتنياهو الدخول في حرب طويلة مع غزة، يرتبط طول مدتها طرديًّا مع بقائه في السلطة (Harel 2025) وفي المقابل ظل الدعم الأمريكي غير المسبوق عاملًا مساعدًا لتدوير عجلة الحرب الإسرائيلية وتخفيف وطأتها على القطاع المدني الإسرائيلي. حيث ارتفع الدعم الأمريكي لتل أبيب، والمتركز في غالبه في الجانب العسكري، من 3.8 مليارات دولار سنويًّا إلى حوالي 18 مليار دولار باندلاع الحرب في غزة 2023. ما يعد خرقًا للقانون الأمريكي الذي يمنع الدولة دعم أي طرف متهم بانتهاكات حقوقية. (Masters and Merrow 2023)

ومع دخول ترامب للمكتب البيضاوي، تذهب معادلة الدعم الأمريكي اللامشروط نحو القيم القصوى، فبالرغم من البداية الصارمة للرئيس الأمريكي ضد نتنياهو في أسبوعه الأول في البيت الأبيض، بدأت سياسات ترامب تدريجيًّا تذهب نحو دعم إسرائيل بوتيرة أعلى مما دأبت عليه إدارة جو بايدن السالفة، بداية من التغاضي عن كسر الهدنة ووصولًا إلى استمرار عمليات الإبادة ضد المدنيين في غزة.

الخلاصة

بين الدهاليز الاستراتيجية وأروقة توازن القوة والعقيدة العسكرية، يمكن الوصول إلى قراءة الأهداف الحقيقية للحرب الإسرائيلية أعمق من الخطاب المعلن، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات رئيسية. على المستوى الداخلي للكيان، تهدف إدارة نتنياهو إلى توظيف الحرب ضمن سياسة التشتيت الاستراتيجي، لحرف مسار الشارع والغضب الشعبي بعيدًا عن الحكومة، ونحو الحرب والقضية الفلسطينية.

في المستوى الثاني، الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تهدف عمليات الجيش الإسرائيلي إلى تصفية القطاع المدني في غزة وتدمير بصورة ممنهجة بما يؤدي إلى الفصل بين حماس وقاعدتها الجماهيرية، وكذا تدمير الحاضنة المدنية للمقاومة بنية وإنسانًا. وبناء على ذلك، لا يمثل تحرير الأسرى هدفًا مركزيًّا لنتنياهو وحكومته المتطرفة.

أما على المستوى الثالث، فتتجلى الأهداف على الصعيد الإقليمي في قلب ميزان القوة مع إيران من خلال إضعاف حلفائها، واكتساب عمق استراتيجي في مواطن الضعف، كجنوب نهر الليطاني والبحر الأحمر وهضبة الجولان، وكذا قطع خطوط الإمداد بين أطراف المحور، بالإضافة إلى تغيير الواقع السياسي في المنطقة بما يسفر عن تطبيع إسرائيل في الشرق الأوسط.

على الرغم من ذلك، وبالعودة إلى الهدف الثاني، يبدو من الصعب التحديد إذا ما كان الهدف الإسرائيلي يكمن في دفع المجتمع إلى التخلي عن حماس ونبذها، وإجبارها على الرحيل عن القطاع كما تم ترحيل منظمة التحرير في 1982 (Satloff، Ross و Makovsky 2023). كما من غير الواضح إذا ما كانت إسرائيل تسعى إلى ترحيل السكان إلى جنوب غزة بصورة مؤقتة أم دائمة وإذا ما كان التهجير وإلغاء القطاع المدني منحصرًا على شمال القطاع، كما يطمح إيلاند، أم أنَّ الأمر يمتد إلى صورة أكثر راديكالية في إلغاء القطاع المدني وتدميره بالكلية في غزة وترحيل السكان بصورة كاملة، وإعادة إنتاج النكبة كما صرح وزير الزراعة “إفي ديختر”، وأفصحت خطة ترامب (Tov 2024) وهو مبحث يستدعي تمحيصه بصورة منفصلة.

المراجع:

Center for Preventive Action. 2024. “Confrontation With Iran.” Council on Foreign Relations. 12 9. Accessed 1 27, 2025. https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/confrontation-between-united-states-and-iran.

Abraham, Yuval. 2023. “‘The hostages weren’t our top priority’: How Israel’s bombing frenzy endangered captives in Gaza.” +972 Magazine. 12 17. https://www.972mag.com/israel-bombing-endangered-hostages-gaza/.

Al Jazeera net. 2023. “Beyond Maghazi: What controversial weapons has Israel used in Gaza war?” Al Jazeera net. 12 29. https://www.aljazeera.com/news/2023/12/29/beyond-maghazi-what-controversial-weapons-have-israel-used-in-gaza-war.

Berman, Lazar. 2024. “‘Bibi, you’ve got no strategy’: Biden said to yell at Netanyahu, and call him ‘liar’ and ‘son of a bitch’.” Times of Israel. https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/bibi-youve-got-no-strategy-biden-said-to-yell-at-netanyahu-and-call-him-liar-and-son-of-a-bitch/.

—. 2024. “Israel shifts focus to Houthis, but it needs partners to defeat distant foe.” The Times of Israel . 12 25. https://www.timesofisrael.com/israel-shifts-focus-to-houthis-but-it-need-partners-to-defeat-distant-foe/.

Bisharat, Ghousoon. 2024. “The not-so-secret history of Netanyahu’s support for Hamas.” +972 Magazine. 11 11. https://www.972mag.com/netanyahu-hamas-october-7-adam-raz/.

Center for Preventive Action. 2025. “Israeli-Palestinian Conflict.” Council of Foreign Relations. 1 22. https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/israeli-palestinian-conflict.

Cordall, Simon Speakman. 2014. “How deep is the divide between Israel’s military and its government?” Al Jazeera net. 7 27. https://www.aljazeera.com/news/2024/7/27/how-deep-israel-divide-military-government.

Douhet. 1999. “The Command of the Air.” In Roots of Strategy Book 4, by David Jablonsky. Mechanicsburg, PA: Stackpole Books.

France 24. 2024. “What we know about the bomb Israel used on Gaza ‘safe zone’.” france 24. 7 16. https://www.france24.com/en/live-news/20240716-what-we-know-about-the-bomb-israel-used-on-gaza-safe-zone.

2025. AMB. Chas Freeman : A Ceasefire or a Pause? Directed by Judge Andrew Napolitano: Judging Freedom. Performed by AMB. Chas Freeman. https://www.youtube.com/watch?v=m1RrBIomMuY&t=756s.

Harel, Amos. 2025. “Israel, Trump, and the Gaza Deal: Can Netanyahu Survive Without War?” Foreign Affiars. 1 29. https://www.foreignaffairs.com/israel/israel-trump-and-gaza-deal.

Israel Defece Force IDF. 2015. “What the UN Resolution 1701 and Why it is Important?” IDF. 1 29. https://www.idf.il/en/mini-sites/hezbollah-and-lebanon-an-in-depth-examination-under-hassan-nasrallah-s-leadership/what-is-un-resolution-1701-why-is-it-important/.

Jazeera, Al. 2023. “Israel’s judicial crisis: How did we get here?” Al Jazeera. 3 27. https://www.aljazeera.com/news/2023/3/27/timeline-how-did-israels-judiciary-protest-unfold.

Mackenzie, James. 2024. “Israeli cabinet rifts over Gaza break out into the open.” Reuters. 5 17. Accessed 1 25, 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-cabinet-rifts-over-gaza-break-out-into-open-2024-05-16/.

Masters, Jonathan, and Will Merrow. 2023. “U.S. Aid to Israel in Four Charts.” Council on Foreign Relations. 11 13. https://www.cfr.org/article/us-aid-israel-four-charts.

Matar, Haggai. 2023. “How this protest movement is bringing Netanyahu to his knees.” +972 Magazine. 3 27. https://www.972mag.com/protests-movement-coup-netanyahu/.

Middle East Monitor. 2024. “Israel destroys 80% of Syria’s military capabilities.” Middle East Monitor . 12 11. https://www.middleeastmonitor.com/20241211-israel-destroys-80-of-syrias-military-capabilities/.

Neumann, Neomi. 2024. Will Israel Find the Right Type of “Victory” in Gaza? Policy Analysis: Policy Watch 3857, The Washington Institute for Near East Policy. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/will-israel-find-right-type-victory-gaza.

Pape, Robert A. 2024. “Hamas is Winning .” Foreign Affairs. 6 21. https://www.foreignaffairs.com/israel/middle-east-robert-pape.

Rapaport, Nadav. 2024. “What is Israel’s ‘Generals’ Plan’ and what does it mean for the war on Gaza?” Middle East Eye. 10 15. https://www.middleeasteye.net/explainers/israel-gaza-palestine-what-generals-plan.

Raz, Adam. 2023. “A Brief History of the Netanyahu-Hamas Alliance.” Haaretz. 10 20. https://www.haaretz.com/israel-news/2023-10-20/ty-article-opinion/.premium/a-brief-history-of-the-netanyahu-hamas-alliance/0000018b-47d9-d242-abef-57ff1be90000.

Reuters. 2024. “Israel says deaths of six hostages in Gaza probably linked to Israeli strike.” Reuters. 12 4. https://www.reuters.com/world/middle-east/israel-says-deaths-six-hostages-gaza-probably-linked-israeli-strike-2024-12-04/#:~:text=Israel%20says%20deaths%20of%20six%20hostages%20in%20Gaza%20probably%20linked%20to%20Israeli%20strike,-By%20Reuters&text=JERUS.

Satloff, Robert , Dennis Ross, and David Makovsky. 2023. “Israel’s War Aims and the Principles of a Post-Hamas Administration in Gaza.” The Washington Institute for Near East Policy. 17 10. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/israels-war-aims-and-principles-post-hamas-administration-gaza.

Shabtai, Col. (res.), Shay . 2024. What Would “Total Victory” Mean in Gaza? BESA Center Perspectives Paper No. 2,267, The Begin-Sadat Center for Strategic Studies. https://besacenter.org/what-would-total-victory-mean-in-gaza/.

Svetlova, Ksenia. 2025. “Netanyahu’s phase two dilemma: Political survival vs defying President Trump.” Chatham House. 1 24. Accessed 1 25, 2025. https://www.chathamhouse.org/2025/01/netanyahus-phase-two-dilemma-political-survival-vs-defying-president-trump.

The Guardian. 2024. “Israel war cabinet split looms as defence minister demands post-war Gaza plan.” The Guardian. 5 16. Accessed 1 25, 2025. https://www.theguardian.com/world/article/2024/may/15/israel-war-cabinet-split-looms-as-defence-minister-demands-plan-for-post-war-gaza.

2024. ‘No Victory For Israel’: Israeli Military General Openly Admits Hamas Not Defeated In Gaza. Performed by Times of India. https://www.youtube.com/watch?v=yEQ-BhGFIes.

Tov, Michael Hauser. 2024. “‘We’re Rolling Out Nakba 2023,’ Israeli Minister Says on Northern Gaza Strip Evacuation.” Haartz. 11 12. https://www.haaretz.com/israel-news/2023-11-12/ty-article/israeli-security-cabinet-member-calls-north-gaza-evacuation-nakba-2023/0000018b-c2be-dea2-a9bf-d2be7b670000.

Travers, Eileen. 2024. “Explainer: What is Security Council resolution 1701?” United Nations UN. 10 1. https://news.un.org/en/story/2024/10/1155221.

Udi, Dekel, and Tammy Caner. 2024. “The Generals’ Plan”— Right Direction, Wrong Implementation. The Institute for National Security Studies, Tel Aviv University, INSS Insight No. 1900. https://www.inss.org.il/publication/the-generals-plan/.

الجزيرة نت. 2024. “خريطة تكشف تفاصيل التوغل الإسرائيلي في سوريا.” الجزيرة نت. 12 19. https://www.aljazeera.net/news/2024/12/18/%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%88%D8%BA%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%81%D9%8A.

—. 2025. “ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرًا من الحرب؟.” الجزيرة نت. 1 22. https://www.aljazeera.net/news/2025/1/22/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-15-%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%A7.

الصمادي، فاطمة. 2024. “الحسابات الاستراتيجية التي اختلطت: أين باتت تقف طهران؟.” مركز الجزيرة للدراسات. 9 29, 2025. https://studies.aljazeera.net/ar/article/6037.

حباس، وليد. 2023. “ما هي أهداف إسرائيل السياسية من الحرب؟… قراءة في أبرز النقاشات الأمنية والاستراتيجية.” المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار). 10 23. https://www.madarcenter.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D8%8C-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%8C-%D8%AA%D8%BA%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AE%D8%A7.

روسيا اليوم. 2025. “مع اقتراب انتهاء المهلة.. الجيش الإسرائيلي سيحافظ على انتشاره الحالي جنوب لبنان.” روسيا اليوم RT . 1 24. https://arabic.rt.com/world/1639839-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D8.

مركز الجزيرة للدراسات. 2024. “إسرائيل وجبهات الإسناد: الصراع على توازن ردع جديد.” مركز الجزيرة للدراسات. 8 12. https://studies.aljazeera.net/sites/default/files/articles/documents/2024-08/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%20%D9%88%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%86%D8%A7%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%20%D8%B9%D9%.

—. 2024. “المخاطرة الإسرائيلية: حرب إقليمية شاملة وطويلة.” مركز الجزيرة للدراسات. 10 22. https://studies.aljazeera.net/ar/article/6056.

يورونيوز. 2025. “ترامب يلغي قرار بايدن: أمر تنفيذي برفع العقوبات عن 60 ألف مستوطن إسرائيلي.” يورونيوز Euro News. 1 21. https://arabic.euronews.com/2025/01/21/trump-lifts-sanctions-on-israeli-settlers-executive-order-reverses-biden-west-bank.

خلدون عبد الله

ماجيستير في الدراسات الاستراتيجية والدفاع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى