سياسيمقالات

طوفان الأقصى ودور الضفة الغربية

كان إطلاق معركة طوفان الأقصى بكلمة أبي خالد الضيف إيذانًا ببدء معركة أكبر على مستوى المنطقة والعالم، طلب فيها انخراط كل ساحات المواجهة، وكان الرهان على توسع المواجهة محليًّا لتشمل الضفة ومناطق 48 والقدس، وكذلك الرهان على التوسع الإقليمي، والذي حدث جزئيًّا من خلال لبنان واليمن بشكل رئيسي.

لقد كان وضع الضفة مميزًا في لحظة بدء الطوفان؛ حيث تزامن مع نشاط مستمر لكتائب حديثة العهد بالعمل المقاوم في شمال الضفة، وخصوصًا في جنين وطولكرم ونابلس، لكن لحظة الطوفان سبقها نجاح الاحتلال في تفكيك تنظيم عرين الأسود في نابلس، والذي كانت عملياته نوعية على نمط الانتفاضة الثانية.

 إنَّ ساحة الضفة والقدس و48 هي ساحات تُعدُّ مهضومة مخابراتيًّا وعملاتيًّا من طرف قوات الاحتلال، بل حتى مستوطنيه، لذلك سنتحدث في البداية عن ساحة الضفة وكيف فرغ الاحتلال هذه الساحة من دور الفعل المؤثر.

 أولًا: تبريد الضفة

 مع انطلاق الطوفان شهدت الضفة هَبَّة مظاهرات شعبية تقليدية خاصة في مراكز المدن، وعمل الاحتلال على اعتقال قيادات هذه المسيرات دون قمعها مباشرة، وبذلك استمرت المسيرات تحت نظر أعين الاحتلال وأجهزة السلطة إلى أن تم امتصاص الغضب الشعبي المحلي في الضفة، وتجلى ذلك في مرور أول رمضان بعد الطوفان بشكل هو الأهدأ منذ سنوات على الرغم من وجود عدة كتائب مسلحة. وهنا كان النجاح الأول للاحتلال في عدم تحول زخم المظاهرات في بداية الطوفان إلى عمل شعبي مستمر على غرار الانتفاضات الفلسطينية.

ثانيًا: إنَّ التنظيمات المقاومة في الضفة وخصوصًا حماس، قد دخلت قبل الطوفان في مرحلة من الجمود والإنهاك، فلم يسمح لها الاحتلال بأي محاولة للإنعاش لاحقًا كالتي أطلقتها عمليات القسام خلال الطوفان وأهمها خلايا طولكرم، وتجلّت مظاهر هذا الجمود والإنهاك في عدم بروز قيادات جديدة، أو تمحور الفعل التنظيمي في المشاركة في الانتخابات المحلية أو النقابية والذي يُعدُّ جزءًا من المشهد المتحكم به من طرف الاحتلال، فهذه المشاركة تضمن عدم تحول الفعل التنظيمي إلى مسارات مقاومة حقيقية، كما أنَّها تكشف عن القيادات المستقبلية لأي فعل على الأرض والذي يُحبط دوريًّا بسياسة جز العشب (اعتقالًا أو اغتيالًا).

في هذا الصدد نجد مُدُنًا كبرى في الضفة يرأس مجلسها البلدي أو يعمل عضوًا رئيسيًّا فيها من هو محسوب على حماس، وقد أثبت الاحتلال نجاحه في احتواء هذه الحالات عبر تمرير ممارسة هؤلاء الأعضاء لأعمالهم البلدية الاعتيادية، والتي لبت سياسة الاحتلال في تبريد الضفة، ولم يصدر منهم أو من بلدياتهم أي أفعال أو بيانات أو مواقف تعكس الالتزام الوطني بقضية الحرب ضد غزة أو دعم الطوفان وهو نفس الفعل الذي قامت به السلطة الفلسطينية وتتعرض لانتقاد مستمر بسببه من طرف المقاومة في حين البلديات المحسوبة على المقاومة تقف حقيقة في صف السلطة، وهو ما يشي بموقف قد يكون مضادًا للطوفان.

 ثالثًا: ارتباط ساحة الضفة بالأردن تاريخيًّا ساهم في أن احتواء إخوان الأردن من طرف النظام الأردني أسفر عن جمود ساحة الضفة، فالتنظيم الأردني قد تم تفريغه من خلال المناكفات الداخلية أو التفكيك من طرف أجهزة الأمن أو الاختراقات المستمرة.

 وتجلى موقف ساحة الأردن في تناول دعم جبهات مساندة الطوفان من نواحٍ طائفية تفكيكية بدلًا من دعم هذه الجهود والارتقاء لمستوى المعركة، وهو ما انعكس في نقاش الفلسطينيين، ونقل النقاش من أهمية دعم الطوفان إلى تحليل دوافع من يدعم الطوفان.

تظل الضفة على الرغم من كل هذه الأحوال رئة فلسطين التاريخية، وإنَّ نجاح عملية السور الواقي في الانتفاضة الثانية كان من أسباب استمرار إسرائيل، وإلا فإنَّ شارون توقع للتعرض للملاحقة في تل أبيب ونتانيا بالعُصي والسكاكين في حال عدم نجاح هذه الحملة، ومن هنا يجب العمل على تصحيح دور الضفة.

 وإنَّ هذا التحليل المختصر يمثل دعوة إلى المراجعة وتقديم حلول في الضفة بما يخدم القضية الأساسية في حفظ المسجد الأقصى:

أولًا: التحول الكلي إلى نمط العمل الشعبي المفتوح على غرار الانتفاضة الأولى 1987، فالضفة تمتاز بكثرة نقاط العمل مما يسمح بحدوث موجات شعبية انتفاضية طوفانية، وقد يكون الحديث هنا مناسبًا عن الأثمان المتوقعة والتي بدأنا مشاهدتها في تدمير مخيمي جنين وطولكرم أو التهجير، فهذه الموجات ستضمن استئناف غليان الوضع محليًّا ومن ثم إقليميًّا، وهنا أود الإشارة إلى أنَّ الاحتلال يوسع رُقعة المواجهة في الجنوب السوري واللبناني، والتي يمكن إطلاق موجات شعبية مضادة في تلك الساحات أيضًا لضمان اشتعال جذوة المقاومة دون حساب للأثمان التكتيكية التي يهدد الاحتلال بها دومًا.

 ثانيًا: توجيه كل الأعمال ضد الاحتلال حصرًا دون الدخول في مواجهات جانبية ضد السلطة، ولكن بالتزامن مع استقالة أعضاء المجالس البلدية والدعوة إلى العصيان الشعبي ضد الاحتلال.

ثالثًا: العمل على استغلال حماقات الاحتلال بإنهاء دور الأونروا من خلال رفع سقف المطالبات السياسية بأنَّ إنهاء الأونروا يعني أنَّه لا بديل عن حق العودة، وأنَّ المفاوضات المستقبلية هي لإنهاء الاحتلال عن كل فلسطين وليس عن 1967 فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى