سياسيمقالات

هل تنعكس أحداث سوريا على مصر؟

“أصبح العالم الناطق باللغة العربية فضاءً معلوماتيًّا واحدًا…ويمكن للأحداث في جزء معين من الشرق الأوسط أن تؤثر سريعًا على الموقف في دول أخرى، لذا فسقوط أحد نظم الحكم التقليدية الحالية قد يحفز سلسلة من التفاعلات تجعل النظم الأخرى أكثر هشاشة…. إنَّ أغلب النظم العربية عفا عليها الزمن سياسيًّا، وتجاوزت الجدوى من وجودها منذ زمن طويل”.

وردت تلك الفقرة في تقرير سري أعده جهاز التحليل الاستخباري (SIAC) التابع للاتحاد الأوروبي في عام 2007 بعنوان “السيناريوهات الأسوأ في الشرق الأوسط الأضيق نطاقًا”، ورُفعت عنه السرية في عام 2017، وتنبأ بانهيار أنظمة الحكم في مصر وسوريا والأردن ودول أخرى.

وإنَّ التطورات المتسارعة في سوريا، وسيطرة فصائل الثورة على حلب وحماة وأجزاء من حمص، وسط انهيارات في صفوف قوات النظام، وبالتزامن مع حالة الاقتتال بين الجيش والدعم السريع في السودان، واستمرار الخلافات بين حكومتي طرابلس وبنغازي في ليبيا، وتواصل العدوان الصهيوني على غزة، تطرح أسئلة حول مدى تأثير ما يحدث في المنطقة، وبالأخص في سوريا على مصر.

التلازم بين الشام ومصر

تشير دروس التاريخ القديم والحديث إلى وجود ارتباط وتلازم بين مسارات الأحداث في الشام ومصر، فحين استكمل المسلمون فتح الشام في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في عام 19 هجريًّا، فتحوا مصر في عام عشرين هجريًّا. وحين احتل الصليبيون القدس، فبمجرد أن نجح صلاح الدين في حكم مصر ثم الشام استعاد القدس مجددًا.

وفي العصر الحديث، بدأت ظاهرة الانقلابات العسكرية في المنطقة بانقلاب حسني الزعيم في سوريا عام 1949، ثم تلاه انقلاب الضباط الأحرار بمصر عام 1952، ثم اتحدت مصر وسوريا في كيان جديد باسم “الجمهورية العربية المتحدة” في عام 1958 لمدة ثلاث سنوات قبل أن ينفصلا، فيما ظل التحالف والتنسيق بين الدولتين قائمًا، فخاضا معًا حرب 1967 ثم حرب أكتوبر عام 1973.

 فك السادات ارتباط مصر بسوريا حين أقدم على عقد اتفاقية سلام أحادية مع إسرائيل في عام 1979، لتجد دمشق نفسها بمفردها في مواجهة الاحتلال، ولتجد في طهران التي سيطرت على الحكم فيها ثورة شعبية بقيادة الخميني في عام 1979 حليفًا جديدًا. وبدأ التحالف السوري الإيراني، في مواجهة نظام صدام حسين بالعراق، وفي مواجهة التطبيع العربي مع إسرائيل.

حينما بدأت شرارة ثورات الربيع العربي في تونس ثم انتقلت إلى مصر، سرعان ما اشتعلت الثورة في سوريا خلال أسابيع معدودة، وسلكت الثورتان المصرية والسورية مسارين مختلفين، ففي الأولى تنحى مبارك ووصل الإخوان المسلمون إلى مقاعد الحكم مؤقتًا قبل أن ينقلب عليهم الجيش في عام 2013، بينما في الثانية تدخلت أطراف إقليمية ودولية، وفي مقدمتها روسيا وإيران لدعم النظام ومنع سقوطه.

عاد الجيش في مصر للحكم مجددًا عبر انقلاب نفذه قائده، وتمكن نظام الأسد من استعادة السيطرة على نحو 60% من أراضي سوريا، وبدأ الترويج لسردية أنَّ ثورات الربيع العربي فشلت، وأنَّها أسفرت عن عودة أنظمة أكثر استبدادًا للحكم أو دفعت خلالها الشعوب ثمنًا ضخمًا شمل ملايين المهجرين والشهداء، مع بقاء المستبدين في مقاعد الحكم.

انبعاث شرارة التغيير مجددًا

إنَّ ما حدث في سوريا هو أحد تداعيات طوفان الأقصى، والذي كسر ظهر حزب الله في لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأثبت ألا علاقة لنظام الأسد بالمقاومة، وهي تجليات تتقاطع مع أنظمة حكم أخرى عراها الطوفان أمام أعوانها قبل خصومها.

إنَّ تمكن فصائل الثورة السورية من التقدم مجددًا، وتحقيق إنجازات ميدانية غير مسبوقة من حيث حجمها وسرعتها مقابل انهيار قوات النظام، يعيد التأكيد على أنَّ ما حدث في 2011 لم يكن سحابة صيف عابرة، إنما زلزال بالمنطقة أعربت خلالها الشعوب عن رغبتها في التغيير وفقدانها الأمل في أنظمة الحكم القمعية التي لم يعد لديها ما تقدمه سوى القمع والبطش والتنكيل، كما لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، فيما تنخرها عوامل الهشاشة الداخلية والفساد، كما ثبت عجزها أمام أي عدوان خارجي كما هو حال النظام السوري أمام الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، فيما يقف نظيره المصري متفرجًا على الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، بل ويشارك في حصارها، كما أنَّه عجز عن حماية مياه النيل أمام سد النهضة الإثيوبي، وفرط في جزيرتي تيران وصنافير، وبدأ في بيع أراضي مصرية شاسعة لدول أخرى كما في صفقة بيع رأس الحكمة للإمارات.

إنَّ تقدم الثوار في سوريا رغم وجود أطراف دولية وإقليمية داعمة للنظام، يبعث الأمل مجددًا في نفوس التواقين للتغيير، وفي المقابل نجد حالة اصطفاف إعلامي في الدول الاستبدادية لتشويه الثوار بسوريا، وإبداء الدعم لنظام الأسد؛ خوفًا من انتقال عدوى التغيير إلى دول أخرى.

 وإنَّ مسار التغيير في مصر وإن كان شعبيًّا وليس عسكريًّا مثل سوريا، لكنه قابل للتفعيل خلال الفترة القادمة في ظل وجود انسداد سياسي، وأزمة اقتصادية متفاقمة، وغياب لأي أمل في غد أفضل تحت سقف حكم نظام يوليو، مثلما هو الحال تجاه حكم حزب البعث في سوريا المستمر منذ عام 1963.

إنَّ مصر حركتها ثقيلة نسبيًّا لثقل وزنها البشري ووضعها الجيوسياسي وتعقيدات مشكلاتها، وتحبيذ أهلها للصبر والبحث عن وسائل للتكيف مع الواقع أولًا قبل اليأس من إصلاحه والتعايش معه وحسم القرار بالتحرك ضده، مع ميل لتجنب المخاطرة غير المحسوبة. ولكن هذه العوامل ينبغي أن توازيها جهود للدفع برموز لديها مصداقية في الخطاب، وقدرة على بث الأمل في غد أفضل، وتقدم رؤية تتضمن طرح مشاريع للنهوض بالبلاد، وبناء جسور عمل مشتركة مع أطياف متنوعة، وتبادل رسائل مع العقلاء في مؤسسات الدولة بأنَّ كلفة التغيير وتعديل المسار أقل كثيرًا من كلفة استمرار السياسات الحالية التي تغرق البلاد في المزيد من الأزمات.

أحمد مولانا

ماجستير علاقات دولية، باحث في مجال الدراسات الأمنية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى