
بعد إعلان الحكومة السورية سحب قواتها العسكرية من المعركة ضد ما وصفتها بالفصائل الخارجة عن القانون في السويداء بحجة المحافظة على دماء السوريين ولتجنب الدخول في حرب مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي، وفق ما صرح به الرئيس السوري أحمد الشرع، تدخلت العشائر العربية وانخرطت في المعركة بعد إعلانها النفير العام لمساندة العشائر البدوية في قتالها ضد الفصائل التابعة للمجلس العسكري في السويداء، إلا أن المعركة لم تحسم لصالح أي طرف، وتوقفت الاشتباكات بعد التوصل لاتفاق بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية يقضي بوقف العمليات العسكرية في المحافظة، وفتح معابر إنسانية لدخول المساعدات. فبقيت السويداء خارج سيطرة الحكومة السورية حتى اللحظة، وعادت الفصائل المحلية الدرزية للانتشار في أجزاء واسعة منها بعد أن كادت تخسر المعركة، فكيف قاتلت تلك الفصائل؟ وما التكتيكات والأساليب التي اتبعتها في مواجهة هجوم قوات الحكومة السورية والعشائر العربية.
أولًا: القدرات العسكرية لفصائل المجلس العسكري في السويداء
تعتمد الفصائل التابعة للمجلس العسكري في السويداء في تسليحها بالدرجة الأولى على الأسلحة الخفيفة مثل بندقية الكلاشنكوف وبعض الرشاشات الخفيفة مثل بي كي سي وقاذفات أر بي جي وبنادق القنص ذات العيارات الخفيفة والمتوسطة، إضافة إلى امتلاكها عددًا من الرشاشات المتوسطة من عيار ١٤.٥ ملم و٢٣ ملم المحمولة على سيارات دفع رباعي.
لم يظهر خلال القتال استخدام الفصائل المحلية في السويداء لصواريخ مضادة للدروع أو طائرات انتحارية ما يرجح عدم امتلاك الفصائل لتلك الأسلحة النوعية، فيما رُصد ميدانيًّا استخدامها درونات تجارية في عمليات الرصد والاستطلاع فقط، وفي مقابل ذلك انتشرت بعض المقاطع المصورة التي تظهر استيلاء القوات الحكومية على عدد من الأسلحة الثقيلة في تل الحديد، ومن بينها راجمات صواريخ كاتيوشا ومدافع ميدانية ومدافع من عيار ٥٧ ملم. كذلك نشرت بعض الوسائل الإعلامية مقاطع مصورة تظهر عثور القوات الحكومية على مستودعات أسلحة تحتوي على أعداد من صواريخ جو- جو، وجو- أرض، تُسلح بها الطائرات الحربية والمروحية، ويُرجح أنه سبق الاستيلاء عليها من المقرات والمطارات العسكرية الواقعة ضمن أراضي المحافظة بعد سقوط النظام السوري السابق في نهاية العام الماضي، وأثناء انسحاب فلول النظام السابق إلى السويداء وانضمامهم للفصائل العسكرية هناك، إضافة إلى شراء الأسلحة من خلال المهربين والتجار ولا يُستبعد دور قسد في دعم الفصائل العسكرية في السويداء خصوصًا أن القوات الحكومية أعلنت خلال الأشهر الماضية تمكنها من ضبط العديد من الشحنات العسكرية في البادية السورية خلال نقلها من مناطق قسد إلى السويداء.
كيف قاتلت الفصائل العسكرية في السويداء؟ وما التكتيكات التي استخدمتها؟
مع اندلاع النزاع بين الفصائل الدرزية والعشائر البدوية في السويداء، أرسلت وزارة الدفاع السورية ثلاث فرق عسكرية إلى منطقة القتال لإنهاء حالة الفوضى وبسط السيطرة على المحافظة، إلا أن تلك القوات تعرضت لخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات في محاور التقدم باتجاه مدينة السويداء مركز المحافظة، حيث استخدمت الفصائل العسكرية في السويداء مجموعة من التكتيكات العسكرية لصد الهجوم، ومن أبرز تلك التكتيكات:
1-الكمائن
اعتمدت الفصائل الدرزية على نصب الكمائن على الطرق الرئيسية التي رجحت أن القوات الحكومية ستستخدمها، إضافة إلى نصب عدد من الكمائن الأخرى على أطراف البلدات والقرى التي توغلت بها القوات الحكومية. وتسببت تلك الكمائن بوقوع خسائر بشرية إضافة إلى تدمير عدد من الآليات العسكرية فضلا عن أسر عدد من عناصر القوات الحكومية.
2- القنص
استخدمت الفصائل الدرزية بشكل مكثف بنادق القنص المتوفرة لديها؛ حيث تمكنت من عرقلة وإيقاف تقدم القوات الحكومية في عدد من المناطق خصوصًا ضمن أحياء مدينة السويداء من خلال التركيز على استعمال سلاح القنص. وتوزعت القناصات ضمن نقاط حاكمة ومخفية ومطلة على مسارات التقدم.
3- قتال الشوارع
بعد أن تمكنت القوات الحكومية من تحقيق تقدم سريع في الأرياف الغربية والجنوبية لمحافظة السويداء دون إبداء الفصائل الدرزية لمقاومة كبيرة، اندلعت المعركة الحقيقة عندما دخلت القوات المهاجمة إلى أحياء مدينة السويداء، حيث ساعدت الأبنية السكنية المدافعين على مقاومة تقدم المهاجمين داخل المدينة خصوصًا أن القوات الحكومية توغلت داخل أحياء المدينة قبل فرض طوق عسكري حولها. ودارت حرب شوارع عنيفة بين الطرفين انتهت بانسحاب القوات الحكومية لاحقًا. فمن الواضح أن الفصائل الدرزية عمدت للانسحاب إلى داخل مدينة السويداء للقتال ضمن المناطق السكنية بسبب ضعف القدرات العسكرية التي تساعدها على الصمود في المناطق المفتوحة.
4- الهجوم المعاكس
في أثناء القتال سمحت الفصائل الدرزية للقوات الحكومية بالدخول إلى بعض المواقع أو الأحياء وأوهمت المجموعات المهاجمة أنها انسحبت من المنطقة، لكنها سرعان ما ظهرت فجأة وهاجمت عناصر القوات الحكومية من مسافات قريبة ضمن الأحياء السكنية. وعادة ما تُستخدم هذه التكتيكات عند عدم وجود القدرة على المواجهة أو الصمود أمام قوة منظمة ومتفوقة ناريًّا.
5- التدخل الإسرائيلي
تدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي في القتال لصالح الفصائل التابعة للمجلس العسكري بذريعة حماية الدروز وتجاوز الحكومة السورية لخطوط حظر انتشار السلاح التي فرضتها إسرائيل في الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد.
بدأت الدرونات الإسرائيلية بضرب تجمعات وأرتال القوات الحكومية في محيط محافظة السويداء، وتركزت الغارات على استهداف السلاح الثقيل مثل الدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ، كما استهدفت بعض غرف العمليات الميدانية، وذلك بالتزامن مع ذلك قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عددًا من المواقع والثكنات العسكرية في درعا وريف دمشق. وبلغ التصعيد ذروته حين قصفت الطائرات الإسرائيلية مبنى رئاسة الأركان ومحيط القصر الجمهوري في دمشق.
أثرت الضربات الإسرائيلية على معنويات عناصر الفصائل الدرزية إيجابًا، بالمقابل انخفضت معنويات القوات الحكومية نتيجة الخسائر التي حدثت. وبعد اتخاذ الحكومة السورية قرار الانسحاب من المعركة شنت الفصائل الدرزية عدة هجمات تمكنت خلالها من إعادة السيطرة على كامل أحياء مدينة السويداء وبعض القرى بمحيطها. وبعد ذلك دخلت الفصائل الدرزية بمواجهات مع قوات العشائر العربية استمرت لعدة أيام دون تغيير كبير في خريطة السيطرة، وانتهت المعركة وثبتت خطوط المواجهة دون حسم نهائي لأي طرف.
6- تكتيك جديد
في صباح ٣ أغسطس تسللت مجموعات تابعة لفصائل المجلس العسكري، ونفذت هجومًا خاطفًا على موقع “تل الحديد” الواقع غرب مدينة السويداء بنحو ٤ كم، وتمكنت من السيطرة عليه بشكل مؤقت بعد اشتباكات مع قوات الأمن الداخلي المتمركزة هناك. وسقط على أثر تلك العملية قتيل وعدة جرحى من قوات الأمن الداخلي، إلا أن السيطرة لم تدم طويلًا بعد هجوم مضاد قامت به القوات الأمنية الحكومة وتمكنت خلاله من استعادة الموقع وطرد عناصر الفصائل منه. ويطلق على هذا النوع من الأعمال العسكرية مصطلح “الإغارة”، ومن المعروف عسكريًّا أنها تنفذ دون الحاجة إلى تمهيد ناري يسبقها، كما تهدف الإغارة عادة إلى ضرب موقع مُعادٍ ثم الانسحاب منه بعد إيقاع خسائر في قوات الخصم واغتنام أسلحته الموجودة ضمن المكان، وهذا يندرج ضمن الأعمال العسكرية التي تؤدي إلى استنزاف العدو وتحطيم معنويات جنوده دون الحاجة إلى الدخول في صدام أو مواجهة مطولة معه.
التحليل والخلاصة
من خلال مراقبة سير العمليات العسكرية في محافظة السويداء، تبين أن الفصائل التابعة للمجلس العسكري في السويداء ضعيفة من ناحية التنظيم والسيطرة، كما أن إمكاناتها العسكرية واللوجستية لا تزال محدودة، وأنها تعتمد في طريقة قتالها على خبرة مقاتليها في معرفة الأرض وعقيدتهم القتالية التي تتركز حول البقاء والدفاع عن الوجود والحقوق. ويمكن هنا ملاحظة بعض أوجه التشابه بين طريقة عمل تلك الفصائل والطريقة التي قاتلت بها بعض فصائل الثورة السورية في بداية العمل المسلح ضد النظام السوري السابق.
ويمكن القول بأن العمل العسكري الذي قامت به القوات الحكومية اتسم بالعشوائية وضعف التنظيم والاستطلاع والرغبة في تحقيق نصر سريع، ما لعب دورًا مهمًا في قدرة الفصائل الدرزية على الصمود وإيقاع الكثير من الخسائر ضمن القوات الحكومية. ولكن بالمحصلة لم تكن الأخطاء العسكرية التي ارتكبتها القوات الحكومية أو التكتيكات القتالية التي اتبعتها الفصائل الدرزية هي العامل الحاسم في المعركة، بل كان لتدخل الطائرات الإسرائيلية الدور الأكبر في الضغط على القوات الحكومية وإجبارها على الانسحاب لتجنب معركة استنزافية غير مضمونة النتائج.