مقالات

خيارات إندونيسيا لمواجهة مطالبة الصين بمياه ناتونا

كتبه: محمد برويز بيلجرامي – محمد راديتيو نوغراهانتو

تتمتع إندونيسيا بمنطقة اقتصادية خالصة في المياه القريبة من جزر ناتونا، ولكن السفن الصينية تهدد دعامتها الاقتصادية، وتجبر جاكرتا على تطوير قدراتها البحرية ودفاعاتها الشاملة.

توجد مجموعة من النزاعات الإقليمية تطفو في بحر الصين الجنوبي. وتدور هذه النزاعات حول الهيمنة على المعالم البحرية مثل الشعاب المرجانية والصخور والجزر والمياه الإقليمية والنفط والغاز والمناطق الاقتصادية الخالصة التي تتنافس حولها الدول الساحلية.

تنخرط ست دول في تلك النزاعات، أربعة منهم (فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي) أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). والدولتان المتبقيتان هما الصين وتايوان. وتزعم الصين ملكيتها لنحو 90% من بحر الصين الجنوبي، وهذا السبب الجذري للصراعات البحرية بالمنطقة.

تصر إندونيسيا، وهي دولة أخرى تلامس شواطئها بحر الصين الجنوبي، على حيادها في النزاعات، ولكنها تكافح بشكل منفصل في مواجهة التوغلات الصينية في منطقتها الاقتصادية الخالصة، وهي تسمية تنبثق من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حيث تمنح الدول الساحلية حقوقًا حصرية للصيد واستخراج الموارد في منطقة تصل إلى 200 ميل بحري (370 كيلومترًا) من سواحلها.

على الخرائط الصينية، توجد تسعة خطوط تصور معظم بحر الصين الجنوبي على أنَّه ملك للصين. ولقد نشأ النزاع عندما لامست الخطوط التسع أحادية الجانب التي رسمتها الصين المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا بالقرب من جزر ناتونا ذات الأهمية الاستراتيجية. وتؤكد الصين أنَّ المياه المحيطة بجزر ناتونا هي “مناطق صيد تقليدية” صينية، على الرغم من اعتراف الصين بسيادة إندونيسيا على جزر ناتونا، فيما ترفض إندونيسيا هذا التأكيد، وتخلص إلى أنَّ المطالبات الصينية تفتقر إلى أساس قانوني.

تبلور النزاع

برز الخلاف البحري بين الصين وإندونيسيا إلى الواجهة عندما طاردت سفينة حربية تابعة للبحرية الإندونيسية في مواجهة كبرى في مارس/آذار 2016 مجموعة من سفن الصيد الصينية التي دخلت محيط منطقتها الاقتصادية الخالصة بالقرب من جزر ناتونا، وأطلقت النار عليها. وزعمت الصين أنَّ أحد بحارتها أصيب في إطلاق النار، ونُقل إلى جزيرة هاينان في الصين لتلقي العلاج. كما احتجزت إندونيسيا سفينة صيد تدعى كواي فاي؛ ثم استولى عليها خفر السواحل الصيني في وقت لاحق.

دفع هذا الحادث الجيش الإندونيسي إلى زيادة وجوده في منطقة ناتونا. وفي 23 يونيو/حزيران 2016، زار الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو جزر ناتونا على متن سفينة حربية، وكان الهدف من ذلك إرسال رسالة واضحة مفادها أنَّ إندونيسيا جادة للغاية في جهودها لحماية سيادتها. وبشكل عام، من بين 556 سفينة حطمتها إندونيسيا من أكتوبر 2014 إلى 2019 لانتهاك القواعد البحرية، كانت ثلاث سفن من الصين.

وعقب حكم محكمة تحكيم دولية في 12 يوليو 2016، دعت إندونيسيا جميع الأطراف المشاركة في النزاع الإقليمي إلى ممارسة ضبط النفس واحترام القوانين الدولية المعمول بها. وأبطل الحكم الدولي خط التماس الذي تستخدمه الصين للمطالبة بمياه ناتونا.

ولكن هذا لم يغير الوضع. ففي أواخر عام 2019، كثفت الصين نشاطها العسكري في مياه ناتونا الإندونيسية، والتي تدعي الصين أنَّها منطقة صيد خاصة بها. وبدعم من سفن خفر السواحل الصيني المسلحة، تجولت أساطيل الصيد الصينية المياه الغنية في ناتونا وما بعدها. وفي فبراير 2020، أسقطت قوارب الصيد الصينية المحاطة بسفن خفر السواحل الصيني شباك الجر الخاصة بها مرة أخرى. وبدا أن تفشي كوفيد-19 الذي بلغ ذروته في الصين في ذلك الوقت لم يقلل من طموحات البلاد البحرية.

لقد عززت قدرة الصين على بناء بؤر استيطانية متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي من قدرة خفر السواحل الصيني على الإبحار في المياه القريبة من جزر ناتونا.

 ولمواجهة الوجود الصيني، بدأت إندونيسيا في بناء قاعدة عسكرية في جزر ناتونا قبل أربع سنوات، لكنها لم تكتمل بعد. وتتمثل أحدث تكتيكات جاكرتا في نقل مئات الصيادين من جزيرة جاوة الإندونيسية المكتظة بالسكان إلى جزر ناتونا للعمل كحراس بحريين.

وقد اندلعت مناوشات في المياه المتنازع عليها عدة مرات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في ديسمبر 2022، عندما أرسلت الصين سفينة “خفر السواحل 5901″، التي تعد أكبر سفينة خفر سواحل في العالم، لتنفيذ دورية في شمال ناتونا. وفي عام 2023، أصدرت الصين مرة أخرى خريطة من جانب واحد، مضيفة خطًا جديدًا، بحيث أصبحت تضع 10 خطوط تدعي فيها ملكية منطقة بحر الصين الجنوبي بأكملها تقريبًا. وفي بعض الأجزاء، تتداخل الخطوط المنقطة مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا في بحر ناتونا الشمالي، وهو الأساس الحقيقي للنزاع بين الصين وإندونيسيا، كما ذكرنا سابقًا.

إنَّ المناطق الرئيسية للخلاف في بحر الصين الجنوبي هي جزر سبراتلي، وجزيرة باراسيل، والحدود البحرية في خليج تونكين، وأماكن أخرى. فيما تقوم الصين ببناء جزر اصطناعية لزيادة المنطقة الاقتصادية الخاصة وعسكرة هذه الجزر الاصطناعية التي تم إنشاؤها بشكل غير قانوني.

في العقد الماضي أو نحو ذلك، أكدت الصين سيطرة أكبر على مياه بحر الصين الجنوبي، باستخدام سلاسل جزر باراسيل وسبراتلي لتوسيع بصمتها العسكرية من خلال بناء وتحصين البؤر الاستيطانية ومهابط الطائرات.

إنَّ السبب وراء كون هذه المناطق متنازع عليها وتهم الدول الساحلية والقوى الأجنبية مثل الولايات المتحدة والهند واليابان وغيرها، هو الاستحواذ على مناطق الصيد حول الأرخبيلين المتنازع عليهما – سبراتلي وباراسيل؛ واستخراج النفط الخام والغاز الطبيعي في أجزاء مختلفة من بحر الصين الجنوبي؛ والسيطرة على ممرات الشحن المهمة استراتيجيًّا في مضيق ملقا.


يُعدُّ بحر الصين الجنوبي أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم وبوابة مهمة للتجارة والشحن. ففي عام 2023، مر 10 مليارات برميل من النفط ومنتجات النفط و6.7 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال عبر بحر الصين الجنوبي. وبما أنَّ نحو 40% من البضائع التي تصدرها الصين تمر عبر بحر الصين الجنوبي، فإنَّ بكين لديها دافع قوي لحماية حركة التجارة الحرة في الممرات المائية في بحر الصين الجنوبي والمطالبة بوضع الدولة الأولى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

تقويض القدرات العسكرية لإندونيسيا

إنَّ القدرات العسكرية لإندونيسيا تعاني من الميزانية الدفاعية الضئيلة للبلاد، التي تراوحت من 0.7 إلى 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقود العديدة الماضية. وبالمقارنة، تنفق معظم البلدان النامية حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. ومع ذلك، حاولت الحكومة استخدام ميزانيتها بعناية لتعزيز قدراتها الدفاعية.

لقد وافق الرئيس الإندونيسي السابق جوكو ويدودو على زيادة بنسبة 20% في الإنفاق الدفاعي في عام 2023 لتحديث المعدات العسكرية للبلاد استجابة للتطورات الجيوسياسية، لكن هذه الزيادة في ميزانية الدفاع قليلة جدًّا بالنسبة لدولة ضخمة مثل إندونيسيا ومتطلباتها الدفاعية السريعة النمو، وخاصة تلك الناشئة في جوارها المائي.

إنَّ إندونيسيا تحتاج إلى منصات بحرية متعددة لتغطية أراضيها البحرية الكبيرة التي تبلغ مساحتها 6.4 ملايين كيلومتر مربع، وبما أنَّ جاكرتا لم تتمكن من معالجة مشكلاتها الأمنية، فقد اضطرت إلى الاكتفاء بالعديد من التنازلات غير المرغوب فيها.

قد يبدو غريبًا للغاية بالنسبة للعالم الخارجي أنَّ رابع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم والتي يقترب عدد سكانها من 280 مليون نسمة ويبلغ حجم اقتصادها 1.5 تريليون دولار أمريكي غير مجهزة عسكريًّا، سواء من حيث الجودة أو الكمية. لا تمتلك القوات الجوية الإندونيسية حتى ثلاثة أسراب من الطائرات المقاتلة، وتعتمد بحريتها على أربع غواصات تقليدية وحفنة من الفرقاطات والكورفيتات خفيفة الوزن.

ولإدارة النزاعات مع الصين بشكل استراتيجي، بدأت إندونيسيا استراتيجية جماعية من خلال إنشاء منتدى خفر السواحل في رابطة دول جنوب شرق آسيا في العام الماضي لتسهيل الاتصال بين قوات الأمن البحري في المنطقة. لكن لم تُنظم بعد بشكل فعال.

لم تخض إندونيسيا أي صراع عسكري مطول مع أي دولة منذ استقلالها، ولهذا السبب لم تأخذ الإنفاق على جيشها على محمل الجد. ولم تستيقظ إندونيسيا على هذه الضرورة إلا بعد بروز التحدي الصيني في مياهها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. وكان آخر صراع عسكري محلي خاضته في منتصف الستينيات عندما عارضت استقلال ماليزيا.

إنَّ الجغرافيا المعقدة لإندونيسيا تشكل عائقًا أمام بناء نظام دفاعي قوي. فهي تتألف من مناطق عملاقة، ولكنها تتكون من أرخبيلات. وعلى هذا فإنَّ الجيش الإندونيسي مجبر على التركيز بشكل أكبر على الدفاع البري وتقليص القوات البحرية والجوية. فضلًا عن ذلك، ولأنَّ إندونيسيا اضطرت إلى تحمل التمرد الداخلي الذي واجهته قبل عصر الإصلاح في عام 1998، فقد تجاهلت الدفاع الخارجي.

ولدى الجيش الإندونيسي عدد محدود من المركبات المدرعة لأنَّ أراضيه مقسمة عبر البحار، وهو ما قد يعيق الحركة. وتعتمد القوات البرية الإندونيسية على سفن النقل للتحرك إلى جبهة القتال. وفي الحرب البحرية والجوية، فإنَّ الإمكانات الإندونيسية متخلفة للغاية. ولم تتخذ جاكرتا سوى مؤخرًا تدابير لتعزيزها.

ولكي تتمكن إندونيسيا من مواكبة متطلبات العصر وحماية جبهتها البحرية، بدأت في تطوير معداتها الدفاعية وترقية قدرات الإنتاج. فبدأت شركات تصنيع وتطوير الدفاع الإندونيسية في إنتاج العديد من أنواع المعدات التي تقوم بمهام متنوعة. ومؤخرًا، اشترت إندونيسيا بعض الأسلحة وأنشأت وحدة قتالية جديدة في جزيرة ناتونا وشرق إندونيسيا ذي الكثافة السكانية المنخفضة. وعلى نحو مماثل، أحرزت إندونيسيا بعض التقدم في تصنيع المنتجات الدفاعية لرفع مستوى قواتها البحرية والجوية.

هناك أيضًا عقبة أخرى تواجهها إندونيسيا في تحديث قوتها العسكرية. فنظرًا لأنَّ منافستها الوحيدة هي الصين، فلا يمكنها شراء سلع دفاعية صينية بسبب تدني الثقة في التكنولوجيا الصينية. ولأنَّ لديها ميزانية دفاعية منخفضة فبالتالي لا يمكنها شراء الأسلحة من الدول الغربية والولايات المتحدة بكميات كبيرة. أدت عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا على شراء المعدات العسكرية الروسية إلى تفاقم الأمور بالنسبة لشراء الطائرات المقاتلة؛ حيث إنَّ حوالي 30% من مخزون القوات المسلحة الإندونيسية من الطائرات من أصل روسي. ولأنَّها ابتعدت عن التكتلات الجيوسياسية، فإنَّها لا تستطيع الحصول على مساعدة عسكرية من أي كتلة. لذلك، بدأت إندونيسيا في التعاون مع دول مثل تركيا وكوريا الجنوبية لإنتاج منصات عسكرية مشتركة، وفي أعقاب حالة الطوارئ الناشئة عن التهديد البحري الصيني، يدفع صناع السياسات في جاكرتا نحو تسريع هذه المشاريع الدفاعية.

قوة إندونيسيا

لقد أكدت الحكومة الإندونيسية من خلال الوسائل الدبلوماسية أنَّ الصين انتهكت منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تأسست وفقًا لمعايير اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وأنَّ الصين يجب أن تحترم هذا باعتباره التزامًا بموجب القانون الدولي. كما ترفض بشكل قاطع مطالبة الصين بالخطوط العشرة في بحر الصين الجنوبي.

لا توجد صراعات حدودية رئيسية بين مطالبة الصين في بحر الصين الجنوبي وإندونيسيا كما هو الحال مع الفلبين وفيتنام وماليزيا وتايوان؛ لأنَّ بعض أجزاء فقط من الخطوط الصينية تتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا بالقرب من جزر ناتونا. وتضغط إندونيسيا لحل هذه القضية من خلال الحوار. وفي حال فشل الحوار، فإنَّ جاكرتا مستعدة لمقاضاة الصين أمام محكمة التحكيم الدولية إذا لم تسحب بكين مطالبها.

ومع الأخذ في الاعتبار أنَّ هناك لاعبين خارجيين مثل الولايات المتحدة قد يتدخلون للقتال في المياه المضطربة، فإنَّ الصين لا تبدو غاضبة للغاية لإطالة أمد النزاع. وهذا يمنح إندونيسيا ميزة في تولي زمام المبادرة في حل النزاع. ويرى صناع السياسات في بكين أيضًا أنَّ إندونيسيا يمكن أن تكون حصنًا ضد المناورات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي لا ينبغي أن يدار الخلاف معها بطريقة خاطئة.

وهناك معادلة أخرى وهي أنَّ القوتين العظميين -الصين والولايات المتحدة- لاعبان محوريان. ويجب عليهما حل جميع النزاعات البحرية مع التجمعات الإقليمية مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا، التي تعد إندونيسيا عضوًا فيها. وللولايات المتحدة دور حيث إنَّها داعمة للفلبين، وهي دولة أخرى لديها نزاع مع الصين. كما تُعدُّ الولايات المتحدة شريكًا أمنيًّا لسنغافورة، وهي دولة رئيسية أخرى في المنطقة.

إنَّ أي تحول في سياسة إندونيسيا قد يؤدي إلى الانقسام بين أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا، مع الشركاء الأمنيين لواشنطن مثل الفلبين وسنغافورة من جهة وشركاء الصين المقربين مثل ميانمار ولاوس وكمبوديا من جهة أخرى، والدول المحايدة مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وتايلاند وبروناي من جهة ثالثة.

وفي خطوة أخرى لكبح المناورات الصينية في بحر الصين الجنوبي، وقعت إندونيسيا مؤخرًا اتفاقية دفاع مع أستراليا، وأعلنت عن خطط لعقد أكبر مناورة عسكرية مشتركة بينهما على الإطلاق في وقت لاحق من هذا العام.

لقد استمرت إندونيسيا في الالتزام بمبدأ السياسة الخارجية غير المنحازة الذي يتجنب التحالفات العسكرية الرسمية ويؤكد على المشاركات الدفاعية مع جميع القوى العالمية، بما في ذلك تلك الموجودة على الجانب “الآخر” من الانقسام الاستراتيجي العالمي، دون التحالف مع أي مجموعة مناهضة للصين. ومن خلال التركيز بشكل أكبر على تعزيز العلاقات الثنائية مع جميع القوى، أصبح لدى إندونيسيا الكثير من الشركاء الاستراتيجيين للاختيار من بينهم.

إنَّ التعاون الحالي بين إندونيسيا وكوريا الجنوبية بشأن مشروع KF-21 Boramae يقدم نموذجًا للمشاركة الدفاعية المستقبلية مع الدول الصديقة، وإدراكًا لقيود الميزانية في جاكرتا، قبلت مؤخرًا سيول اقتراح إندونيسيا بخفض المساهمة المالية لجاكرتا بشكل كبير في المشروع المشترك لتطوير طائرة مقاتلة جديدة، من 1.6 تريليون وون (1.2 مليار دولار) إلى 600 مليار وون، أي حوالي ثلث المبلغ الأصلي، وفقًا لوكالة المشتريات العسكرية الحكومية في كوريا الجنوبية.

كما وقعت إندونيسيا صفقة مع فرنسا لشراء 42 طائرة رافال من شركة داسو بالإضافة إلى 24 مقاتلة متعددة المهام من طراز F-15ID واستثمرت البلاد في تحديث قدرتها على النقل الجوي ووقعت عقدًا لشراء وحدتين من طائرات النقل A400M Atlasكما وقعت بالفعل صفقة لشراء 24 وحدة من طائرات الهليكوبتر S-70M بلاك هوك سيكورسكي على مدى السنوات القليلة المقبلة. ومن المتوقع أيضًا أن تحاكي إندونيسيا الفلبين وتبرم صفقة لشراء نظام صواريخ براهموس.

ونظرًا للحاجة إلى تأمين منطقة جغرافية شاسعة تمتد عبر أكثر من 17000 جزيرة، فمن المتوقع أن تستمر إندونيسيا في الاستثمار بكثافة في الدفاع، وخاصة من خلال التطوير المشترك وإنتاج المعدات الدفاعية.

على الرغم من كونها محدودة للغاية، بميزانية دفاعية إجمالية تبلغ 8.8 مليارات دولار في عام 2023، تحتل إندونيسيا حاليًّا المرتبة الثانية من حيث الإنفاق العسكري بعد سنغافورة في منطقة جنوب شرق آسيا. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الدفاعي للبلاد، مدفوعًا بمبادرات تحديث الدفاع الجارية، إلى 9.7 مليارات دولار بحلول عام 2028. ويضمن الاقتصاد القوي للبلاد آفاقًا مستقرة للإنفاق الدفاعي على مدى السنوات الأربع المقبلة.

الخلاصة

ترى إندونيسيا نفسها كقوة دفاعية عندما يتعلق الأمر بملكية الأراضي والأراضي المائية. ومع ذلك، فهي متورطة في نزاع إقليمي مع الصين حول ملكية بعض المناطق القريبة من جزر ناتونا. وقد رسمت خطًا أحمر أمام خطوط الصين التسعة. وباعتبارها دولة محورية في رابطة دول جنوب شرق آسيا، فإنَّها تمارس نفوذًا كبيرًا في المنطقة. والصين تدرك هذا الواقع، وبالتالي فهي لا تريد أن تتطور الأزمة إلى نقطة اشتعال عالمية. إنَّها تريد حلًّا للنزاع من خلال آليات ثنائية.

إنَّ الصين حذرة بشكل خاص من المساعي الأمريكية التي تسعى إلى تحويل الخلاف إلى نزاع دولي يمكن أن تلعب فيه تحالفات مثل “أوكوس” و”كواد” دورًا في إيجاد تسوية. هذه التحالفات هي منتديات تقودها الولايات المتحدة وهدفها النهائي هو احتواء الصين في آسيا.

إنَّ الإندونيسيين، الذين يصرون على المفاوضات، يسعون بحماس إلى تعزيز قواتهم المسلحة لمواجهة العدوان الصيني حتى يتمكنوا من الحصول على نفوذ في المفاوضات. إنَّ إندونيسيا تدرك العقيدة الجيوسياسية للدفاع القوي. وهي تعمل بشكل خاص على تحصين جبهتها البحرية.

إنَّ الصين وإندونيسيا، اللتين أظهرتا دبلوماسية حكيمة في خضم التوتر وتطوير قدراتهما العسكرية، لم تسمحا لنزاعهما بأن يصبح موضوعًا للخلاف بين القوى العظمى. إنَّ إندونيسيا معروفة بسياستها الخارجية الناضجة وهي ترفض أن تتلاعب بها القوى الخارجية. والصين الحذرة تعلم أنَّ أي محاولة للتضييق على إندونيسيا سوف تدفعها إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن ينذر بتعرض التفوق الصيني في المنطقة لخطر شديد.

محمد راديتيو نوجراهانتو

محلل سياسي وأمني مقيم في جاكرتا. مهتم بالتطورات المحلية والإقليمية والدولية في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى