أمندولي

فوائد من مذكرات سنودن

في يونيو 2013، فجر المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن أكبر فضيحة تسريبات في تاريخ أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية عبر نشره على صفحات جريدة الجارديان البريطانية عددا من الوثائق الهامة التي تكشف العديد من برامج وأنشطة وتجاوزات وكالة الأمن القومي الأمريكية فضلا عن أنشطة تحالف العيون الخمسة، وهو تحالف استخباري بين خمس دول ناطقة بالإنجليزية تشمل بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، حيث بدأ هذا التحالف أعماله في عام 1946، ومنذ ذلك الحين تعقد دول التحالف اجتماعات دورية منتظمة لمناقشة المستجدات الخاصة بالتجسس الإلكتروني والأمن السيبراني.

لاحقا في عام 2014 قام الصحفي الأميركي جلين جرينوالد، والذي ساعد سنودن في نشر تسريباته، بنشر كتاب مهم بعنوان (لا مكان للإختباء- إدوارد سنودن، ووكالة الأمن القومي الأمريكية، ودولة المراقبة الأميركية). وقد تضمن الكتاب سردا لقصة سنودن على لسانه الشخصي. وأثناء القراءة في الكتاب لفتت عدة نقاط مهمة انتباهي، وهي تتعلق بمستوى التحصيل الدراسي النظامي لسنودن. إذ تبين أن سنودن لم يحصل  على شهادة جامعية فضلا عن أنه لم يحصل على شهادة الثانوية العامة نظرا لعدم إتمامه تعليمه المدرسي. ورغم ذلك، فقد حصل سنودن في عام 2002 على إجازة من شركة ميكروسوفت تفيد بأنه مهندس أنظمة نظرا لنبوغه في ذلك المجال، في حين أن عمره آنذاك كان 19 عاما حيث أنه من مواليد عام 1983.

ونظرا لتميز سنودن في مجال التكنولوجيا فقد عمل في عام 2005 كخبير تقني في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حيث كانت الوكالة آنذاك تعاني من قلة الخبراء في ذلك المجال، فسعت لتعويض النقص من خلال اللجوء لمصادر غير تقليدية من أجل توظيف أصحاب المواهب. وفي هذا الإطار يذكر سنودن أن أصحاب المهارات الحاسوبية المتقدمة أحيانا ما يكونون شبانا منعزلين، وغالبا ما يخفقون في النجاح بالمؤسسات التعليمية التقليدية في حين أنهم يجدون بيئة شبكة الإنترنت أشد تحفيزا وتنشيطا لهم.

في وكالة الاستخبارات المركزية أصبح سنودن عضوا مقدرا في فريق تكنولوجيا المعلومات بالوكالة نظرا لأنه كان أوسع معرفة وأكثر كفاءة من معظم زملائه الأكبر سنا من الحاصلين على شهادات جامعية.

وبذلك وجد سنودن مبتغاه في مؤسسة تقدر مهاراته وتتجاهل افتقاره للمؤهل الأكاديمي. ومن ثم تمكن سنودن في عام 2006 من تغيير صفته من متعاقد مع الوكالة إلى موظف بدوام كامل قبل أن ينتقل في عام 2007 للعمل بالعاصمة السويسرية جنيف لحساب السي آي أيه،

أصبح سنودن أبرز خبير تقني أميركي في سويسرا ومحيطها. وبحكم عمله تمكن من الإطلاع على الكثير من الوثائق السرية التي كشفت له حقيقة السياسات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم مما أصابه بالصدمة.  ومن ثم ترك العمل مع السي آي إيه ليعمل بدلا من ذلك مع وكالة الأمن القومي الأميركي في اليابان قبل أن ينتقل في عام 2010 للعمل مع شركة ديل (Dell) التي كانت متعاقدة آنذاك مع وكالة الأمن القومي الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

وفي وظيفته الجديدة أجيز سنودن كعميل تقني رفيع المستوى، واختير من قبل (أكاديمية التدريب على مكافحة التجسس) التابعة لوكالة استخبارات الدفاع من أجل تدريب المنتسبين لها على مقرر مكافحة التجسس الصيني. وكذلك صار سنودن خبيرا في الجانب الهجومي من الحروب السيبرانية، والذي يتضمن إختراق أنظمة حواسيب الدول الأخرى من أجل سرقة معلومات منها.  كما عمل سنودن كذلك مع شركة مايكروسوفت وغيرها من شركات التقنية في بناء أنظمة آمنة للسي آي إيه ووكالات أمنية أخرى لتخزين الوثائق والبيانات، حيث وصل دخله السنوي آنذاك 200 ألف دولار. وفي نهاية المطاف عمل سنودن في مطلع عام 2013 بشركة بووز آلين هاملتون التي تعد من أكبر الشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية مما أتاح له الإطلاع على مزيد من الوثائق السرية قبل أن يخرجها للعلن في منتصف عام 2013.

هذا السجل المهني الحافل لسنودن في فترة محدوة تقدر بثمان سنوات رغم عدم حصوله على شهادة جامعية، يكشف عن أحد نقاط القوة في المجتمعات الغربية، والتي تتمثل في العناية بالمواهب ورعاية الكفاءات بعيدا عن الجمود والبيروقراطية التي تتسم بها منظومات التوظيف في منطقتنا العربية، والتي تركز على الشهادات والأوراق الرسمية التي يحوزها الشخص. كما أن من اللافت توظيف سنودن كمتدرب في أكاديمية تدريب رفيعة المستوى ليُدرس مناهج متطورة لمن هم أكبر منه سنا وأكثر تحصيلا للشهادات الجامعية. وإن نمط رعاية الموهوبين، ووضعهم في أماكنهم اللائقة ينبغي أن يكون حاضرا ضمن ثقافة التيارات الراغبة في التغيير بدلا من نمط الدفع بأصحاب الشهادات الأكاديمية وذوي الولاء إلى مواضع تحتاج لمواهب حقيقية.

أحمد مولانا

ماجستير علاقات دولية، باحث في مجال الدراسات الأمنية والسياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى