تحليلات

فك رموز الإطاحة بالشيخة حسينة في بنغلاديش

مثلما حدث في أغلب الدول الإسلامية، شهدت بنغلاديش التي نالت استقلالها عن باكستان في عام 1971، سيطرة الجيش على السلطة في غضون خمس سنوات من الاستقلال. وقُتل زعيم الاستقلال الشيخ مجيب الرحمن، إلى جانب العديد من أفراد عائلته، على يد ضباط الجيش الانقلابيين. وباستثناء زوجها وابنيها وأختها، اغتيلت عائلة الشيخة حسينة بأكملها في 15 أغسطس 1975. ومنذ ذلك الحين، شهدت بنجلاديش ما يقرب من ثلاثة عقود من الحكم العسكري. وأخيرًا، في عام 1991، ترك الدكتاتور العسكري حسين محمد إرشاد السلطة، وشهدت البلاد انتخابات متعددة الأحزاب حيث جاء الحزب الوطني البنغالي بزعامة خالدة ضياء كأكبر حزب، وجاء حزب رابطة عوامي بزعامة الشيخة حسينة في المرتبة الثانية.

منذ إعادة إرساء الديمقراطية في البلاد عام 1991 وحتى انتخابات عام 2008، حكمت الشيخة حسينة ومنافستها السياسية خالدة ضياء البلاد لفترتين مدة كل منهما خمس سنوات على التوالي. ومثلها كمثل بلدها الأم باكستان، أجريت الانتخابات في بنجلاديش أيضًا في ظل حكومة انتقالية.

في عام 2006، حاولت رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها خالدة ضياء تقويض حكومة تصريف الأعمال لتلافي هزيمتها الوشيكة في الانتخابات المقبلة. في المقابل قادت الشيخة حسينة المعارضة إلى جانب الجماعة الإسلامية في بنجلاديش وعارضت حيل رئيسة الوزراء. تأجلت انتخابات عام 2007 وأُجريت في عام 2008 لتفوز الشيخة حسينة بأغلبية الثلثين. ومع أغلبية كاسحة في البرلمان عام 2011، مررت الحكومة التي قادها حزب رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة التعديل الخامس عشر للدستور. وألغت حسينة القانون الذي حاربت لحمايته عندما كانت في المعارضة عام 1996. وفازت في انتخابات 2014 و2019 و2024، التي قاطعها حزب المعارضة الرئيسي، حزب الوطني البنغالي، وشركاؤه في التحالف.

في الأول من يناير 2012، أنشأت الشيخة حسينة المحكمة الدولية لجرائم الحرب (لم يكن هناك شيء دولي في المحكمة) للتحقيق مع المتعاونين المحليين مع باكستان خلال حرب تحرير بنجلاديش عام 1971، وملاحقتهم قضائيًّا. ووجه قضاة مختارون بعناية الاتهامات إلى ما يقرب من اثني عشر رجلًا، بما في ذلك تسعة من قادة حزب الجماعة الإسلامية البنغالية واثنان من قادة الحزب الوطني البنغالي، وصدرت ضدهم أحكام بالإعدام. ومن عام 2013 إلى عام 2016، أُعدم عشرة رجال في سجون مختلفة في بنجلاديش. وفقًا للجنة الآسيوية لحقوق الإنسان، كان هناك 2658 حالة قتل خارج نطاق القضاء و619 حالة اختفاء قسري مبلغ عنها بين عامي 2009 و2022.

أسس الرئيس السابق مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة، نظام حصص للوظائف، وهو نظام مثير للجدل تسبب في الاحتجاجات الأخيرة، وبموجبه ترك 20 في المائة فقط من الوظائف للمرشحين على أساس الجدارة، وبعد اغتياله، زادت الحكومة الوظائف للمرشحين على أساس الجدارة إلى 40 في المائة، وبعد ذلك، أدى تغيير القانون في عام 1985 إلى زيادة الوظائف على أساس الجدارة إلى 45 في المائة، في حين حاز بقية الحصة من قاتلوا ضد باكستان في حرب الاستقلال. وفي عام 2010، وسعت حكومة الشيخة حسينة حصة المقاتلين السابقين من خلال تضمين أحفادهم.

 رفضت المحكمة العليا طعون النشطاء المناهضين لنظام الحصص، في قانونيته. وخوفًا من الاستياء الشعبي وحدوث احتجاجات واسعة، ألغت الشيخة حسينة نظام حصص الوظائف في عام 2020 من خلال أمر تنفيذي. لكن في يونيو 2024، ألغت المحكمة العليا قرار الحكومة، وبالتالي أعادت نظام الحصص. اعتقد الطلاب أنَّ الحكومة كانت وراء أمر المحكمة؛ فانفجر بركان الكراهية المتصاعد ضد حكم حسينة بعد فوزها الثالث على التوالي في انتخابات 2024، التي شابها تزوير واسع النطاق ومقاطعة المعارضة.

لقد أدى تخصيص حصة تبلغ 30% لأحفاد مقاتلي حرب التحرير، والذين ينتمي أغلبهم إلى أنصار حزب رابطة عوامي، إلى اندلاع احتجاجات طلابية حاشدة ضد الحكومة، فيما قمعتها الشرطة وكوادر رابطة عوامي بوحشية. وأجبرت الاحتجاجات الحكومة على اللجوء إلى المحكمة العليا لتقليص حصة الوظائف. وخفضت المحكمة الحصة المخصصة إلى 7% وزادت من التوظيف في الوظائف الحكومية على أساس الجدارة إلى 93%، لكن الاحتجاجات الطلابية لم تتوقف واكتسبت زخمًا مع المطالبة باستقالة الشيخة حسينة وحكومتها.

قُتل المئات من الطلاب المحتجين وأصيب الآلاف على يد قوات الأمن. وفي نهاية المطاف طلب الجيش من الشيخة حسينة الرحيل عن السلطة، فطارت على متن مروحية إلى أغارتالا، العاصمة المتاخمة لإقليم تريبورا الهندي، ووصلت إلى مكان آمن غير معلن في الهند.

إبعاد الجيش عن السلطة

بالنسبة لشعب بنجلاديش، فإنَّ التغلب على شهوة الجيش المتعطشة للسلطة هو سؤال وثيق الصلة بالأخص في وقت الاضطرابات السياسية. ففي عام 2007، خلال فترة الانتخابات المؤجلة، كان هناك نقاش داخل المؤسسة العسكرية لحظر كل من رابطة عوامي والحزب الوطني البنغالي، حيث سجن الجيش كل من الشيخة حسينة وخالدة ضياء على أمل ظهور قيادة جديدة في إطار نظام تكنوقراطي، لكن المواطنين في بنجلاديش احتجوا. في عام 2008، أجريت انتخابات، وأعيد انتخاب رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة عقب انتصارها بشكل ساحق.

الآن استولى الجيش على الحكم وسيشكل حكومة مؤقتة بعد مناقشات مع الرئيس. وبالنسبة للمحتجين فإنَّ التغلب على طموحات جنرالات الجيش في حكم البلاد يشكل مسألة ذات صلة بعد بضعة أيام عندما تتلاشى النشوة تدريجيًّا وتعود الحياة إلى طبيعتها.

تأمل بعض القوى الخارجية أن يتولى الجيش البنغالي الحكم. ويدرك الجيش جيدًا أنَّ توليه السلطة حاليًّا من شأنه أن يؤدي إلى وضعه في مرمى النيران في وقت يبلغ فيه الغضب الشعبي ذروته. وقد يسمح الجيش للحزب الوطني البنغالي وحزب الجماعة الإسلامية بالوصول إلى السلطة، ثم يجد سببًا للإطاحة بالحكومة. ولا بُدَّ من وجود كبش فداء للحصول على بعض الدعم الشعبي. وقد يحاول الجنرالات نسخ كتاب السيسي من مصر ما بعد حسني مبارك.

لقد صرح زعيم الطلاب المحتجين ناهد إسلام بوضوح في مؤتمره الصحفي “إنَّنا لن نقبل الحكومة المؤقتة التي رشحها الجيش. وبعد التشاور مع كافة الدوائر الاجتماعية ومن الساسة، سوف نقترح إطارًا للحكومة المؤقتة في غضون 24 ساعة. ليس لدينا أي دور في تشكيل الحكومة، ولكننا لن نخون دماء 300 شهيد بالتسامح مع حكومة مؤقتة تعمل كدمية”.

نكسة للهند

لقد فضلت الهند دائمًا الشيخة حسينة على خالدة ضياء والحكم العسكري؛ بسبب ارتباطها التاريخي بعائلتها التي حظيت بمساعدة الهند في مواجهة باكستان. وإنَّ الإطاحة بالشيخة حسينة في بنجلاديش سوف تصبح أكثر تعقيدًا بالنسبة للهند في التعامل مع البلد المجاور المقرب منها.

إنَّ التغييرات الأخيرة في القيادات في الجوار المباشر للهند، في جزر المالديف ونيبال وأفغانستان فضلًا عن بوادر التغيير في بوتان حيث من المقرر حل النزاع الحدودي بين الصين وبوتان، تؤثر في توازن القوى في المنطقة لصالح الصين وباكستان. وسيتعين على الهند إعادة معايرة سياستها لإدارة علاقاتها التاريخية مع بنجلاديش مثلما أدارت علاقاتها مع أفغانستان تحت حكم طالبان بعد الإطاحة بالحكومة المؤيدة للهند والمدعومة من الولايات المتحدة في كابول. فمع الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة، أصبحت بنجلاديش أيضًا سيناريو خاسر بالنسبة للهند. يعتقد المنتقدون في الهند أنَّ السياسة الخارجية لحكومة مودي تظهر افتقارًا تامًا إلى فهم التطور الجيوسياسي العالمي السريع.

يعرب العديد من الخبراء في الهند حاليًّا عن مخاوفهم. فاليوم، لدى الهند علاقات عدائية مع باكستان، وأخرى غير ودية مع الصين، وفقدت جزر المالديف ونيبال وبوتان، وتتعلق بخيط رفيع في أفغانستان، حيث تأمل الهند في استعادة العمق الاستراتيجي. ولا شيء يمكن أن يكون أكثر تحديًّا من العيش في جوار معاد.

وفي حين تأمل الهند في اكتساب مكانة القوة المحورية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بدعم أمريكي، فإنَّ جوارها المباشر ينزلق من بين يديها. ومن المتوقع أنَّ الهند، التي أقامت فيها الشيخة حسينة مدة ست سنوات أثناء نفيها في السبعينيات، وكانت أيضًا داعمًا قويًّا لحكومتها في بنجلاديش، لن تبقيها لديها لفترة طويلة بسبب حساسية الأمر هذه المرة. فالمساحة تتقلص أمام حسينة، حيث ألغت الولايات المتحدة بالفعل تأشيرتها، كما لا يبدو أنَّ المملكة المتحدة راغبة في منحها اللجوء، حيث تعيش شقيقتها مع ابنتها توليب صديقي، عضوة البرلمان البريطاني. لقد طالب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بالفعل بإجراء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في الأحداث التي وقعت في بنجلاديش في الأسابيع القليلة الماضية.

الخلاصة

لقد شهد الحكم الاستبدادي للشيخة حسينة الذي دام 15 عامًا استقرارًا نسبيًّا وتنمية اقتصادية في بنجلاديش، مع احتجاجات متفرقة ضد حكمها. لذا فهناك درسان أو ثلاثة دروس مما حدث في بنجلاديش:

أولًا، لا يمكنك الحكم لفترة طويلة فقط باسم التقدم الاقتصادي والإحصاءات الإيجابية.

 ثانيًا، من خلال السيطرة على المعارضة والحركات الجماهيرية ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكنك إبقاء صوت الشعب مكبوتًا إلى الأبد.

 ثالثًا، بدلًا من الاستماع إلى أصوات الطلاب، لا يمكنك تحقيق أي شيء من خلال وصفهم بالإرهابيين والخونة وأنصار الدول الأجنبية، إلخ.

إنَّ حكم الشيخة حسينة الحزبي الواحد وتعسفها في التعامل مع الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات الحقوق المدنية، قاد إلى الكراهية التي نشهدها الآن في الشوارع ضدها وضد تماثيل وجداريات والدها الرئيس السابق الشيخ مجيب الرحمن وأي شيء يتعلق بحزبها.

Mohammad Pervez Bilgrami

political analyst and consultant. Middle East geopolitics expert

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى