
على الرغم من حجمه الكبير وتسليحه الضخم، من المرجح أن يواصل الجيش المصري خسارته للمواجهات العسكرية؛ نظرًا لعجزه عن استخدام نظام حديث في القتال.
لسنوات عديدة، بدت إمكانية نشوب حرب بين إسرائيل ومصر غير واردة أو مستبعدة للغاية. واعتمد النظام المصري على علاقته مع إسرائيل ليس فقط لتعزيز نفوذه السياسي في واشنطن بعد الانقلاب العسكري عام 2013، بل أيضًا للمساعدة في مواجهة عناصر تنظيم “ولاية سيناء” في شمال سيناء. لكن المشهد الاستراتيجي تغير جذريًّا عقب هجوم طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية التي تلته على غزة.
أدى هذا الصراع إلى توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك معاهدة السلام. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ مساعي إدارة ترامب لتهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة إلى سيناء – رغم معارضة مصر- زادت من حدة التوترات. وبينما تظل فرص اندلاع مثل هذه الحرب ضئيلة، فإنَّ فرص مصر في الفوز بالحرب، إن حدثت، ستكون ضئيلة للغاية.
رغم تفوق مصر في الحجم والتسليح، مدعومةً بأربعين عامًا من المساعدات العسكرية الأمريكية وأنظمة الأسلحة الحديثة التي حصلت عليها من روسيا والصين وفرنسا وألمانيا، ستواجه القاهرة صعوبةً في استخدام تكتيكات الحرب الحديثة، خاصةً ضد عدوٍّ ذي قدرات عالية كإسرائيل. سواء اضطرت مصر إلى الهجوم (وهو أمر مستبعد نظرًا لافتقارها إلى الدعم الإقليمي أو الدولي) أو خاضت حربًا دفاعية في سيناء، فسيكون من شبه المستحيل على الجيش المصري -سواءً على مستوى كبار أو صغار الضباط- تحقيق القدرة على المناورة، وتنسيق الأسلحة المشتركة، والمرونة، والسرعة المطلوبة في الحرب الحديثة.
فحتى قبل الانقلاب العسكري عام ٢٠١٣ وما تلاه من إعادة هيكلة للقيادة العسكرية، أُفْرِغت القيادة العليا في مصر من مضمونها، مُعطيةً الأولوية للولاء السياسي على الكفاءة. وقد اشتد هذا التوجه في عهد السيسي مع منح المناصب القيادية للمقربين منه، مما أضعف قدرة مصر على إجراء التقييمات والتخطيط الاستراتيجي.
ولا يزال سلك الضباط يُمثل أكبر نقاط ضعف الجيش. فعلى مدى عقود، تجنب الطلاب المتفوقون الانضمام إلى الكليات العسكرية. حتى بين عامة المواطنين، اعتمد الالتحاق بهذه الكليات على شبكات المحسوبية بدلًا من الجدارة، واعتمد اختيار الضباط على العلاقات أكثر من المؤهلات. ولا يزال التعليم العسكري نظريًّا إلى حد كبير، مع تركيز ضئيل على القيادة أو المبادرة. ونتيجة لذلك، يفتقر سلك الضباط إلى الموهبة والخبرة والاحترافية، وغالبًا ما تُبنى الترقيات على الأقدمية والروابط الشخصية بدلًا من الأداء.
حتى مع وجود خُطة عملياتية محكمة، سيكون التنفيذ صعبًا مع ضباط يجدون صعوبة في التكيف مع ظروف ساحة المعركة المتغيرة، أو أخذ زمام المبادرة، أو الاستجابة بفعالية لتكتيكات العدو. كما أنَّ المهارات اللازمة لاستخدام عمليات الأسلحة المشتركة، وتنفيذ الاختراقات، واستغلال نقاط ضعف العدو في الهجوم، أو تطوير هجمات مضادة سريعة وفعالة في الدفاع، غائبة إلى حد كبير. وبغض النظر عن مزايا المعدات أو التضاريس، فإنَّ هذه العيوب ستمنع مصر من النجاح في أي صراع عسكري.
علاوة على ذلك، فإنَّ المفاهيم الرئيسية الأخرى للحرب الحديثة، مثل الدفاع المرن -الذي يتطلب التخلي عن الأراضي لتحقيق ميزة تكتيكية- ستكون غير مقبولة لنظام يعتمد على إبراز القوة للحفاظ على السلطة.
ويدعم التاريخ هذه الحجة. لم تخض مصر حربًا كبيرة منذ مشاركتها في حرب الخليج عام 1991، حيث كان أداؤها متواضعًا وعرضةً للسخرية من شركائها في التحالف. وقد كشفت الحروب مع إسرائيل، بما في ذلك حرب عام 1973 التي غالبًا ما تُصوَّر على أنَّها انتصار كبير، عن نقاط ضعف استراتيجية رئيسية. اعتمدت التكتيكات المصرية على الهجمات الجماعية والدفاعات الثابتة بدلًا من القدرة على المناورة والمبادرة. وعلى الرغم من تحقيق المفاجأة الاستراتيجية، فشلت مصر في مضاهاة قدرة إسرائيل على التكيف، ولم تتمكن تكتيكاتها من مواكبة السرعة والمرونة التي أظهرتها قوات الاحتلال الإسرائيلية بمجرد تعافيها من الصدمة الأولية للحرب.
إنَّ فشل مصر في قمع تمرد صغير نسبيًّا في سيناء على مدى العقد الماضي، إلى جانب اعتمادها على قوى غربية مثل فرنسا للتعامل مع التهديدات الأمنية في الصحراء الغربية (مثل العملية سيرلي) أو على إسرائيل لمواجهة داعش في سيناء، يُظهر أنَّ العقيدة العسكرية المصرية لم تتغير كثيرًا منذ تسعينيات القرن الماضي. ينطبق الأمر نفسه على فشل مصر في إبراز قوتها في محيطها، رغم التهديد الحرج للأمن القومي، كما حدث في السودان وليبيا. كما أنَّ عجز مصر عن إجراء الصيانة اللازمة لمعداتها العسكرية يشير إلى تحديات قد تواجهها مع التقدم التكنولوجي الذي سيؤثر في نظام الحرب الحديث.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ إسرائيل، بعد أن واجهت مؤخرًا مفاجأة استراتيجية أخرى في هجمات أكتوبر 2023، واكتسبت خبرة قتالية عالية من الصراعات في غزة ولبنان وسوريا، أصبحت أكثر استعدادًا مقارنة بما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي.
وحتى لو تغيّر نظام الحكم في مصر، سيظلّ التكيّف مع الحروب الحديثة تحديًّا. ستواجه أيّ قيادة جديدة عقباتٍ كبيرةً في إصلاح الجيش، ما يتطلّب تغييراتٍ جذرية أو تحوّلًا نحو عقيدةٍ عسكريةٍ بديلة.