سياسيمقالات

تصدعات بينية وتزايد الأصوات المعارضة: هل يخسر حزب الله ساحته الداخلية؟

عبر وحدة داخلية وولاء مجتمعي يعززان الموقفين السياسي والعسكري، انتظمت البيئة الشيعية في لبنان خلف حزب الله منذ عام 1989 عقب حسم النزاع بينه وبين حركة أمل فيما عُرف حينها بـ “حرب الأشقاء”. وحتى يوم 8 أكتوبر 2023، لم يخرق هذا المشهد سوى بعض الأصوات الشيعية المعارضة للحزب والتي صُنفت كحالات شاذة ومعزولة.

لكن هزيمة الحزب في حربه الأخيرة مع العدو الإسرائيلي أحدثت شرخًا بين شيعة لبنان يزداد اتساعه مع الوقت، فباتت المعارضة وجهة نظر مقبولة شعبيًّا وإعلاميًّا، وتنتظم في توجه سياسي بدأ يثبت حضوره ويصوغ أهدافه، بيد أنَّ تداعيات ذلك لا تقتصر على المستوى السياسي فقط.

صدع البلديات

أسفرت انتخابات المجالس البلدية في شهر مايو الماضي عن تراجع ملحوظ في المزاج الشعبي المؤيد لحزب الله، فالفارق بين آخر الفائزين على اللوائح التي دعمها الحزب وحركة أمل في قضائي بعلبك والهرمل وأول الخاسرين كان ضئيلًا للغاية، حتى أنَّه وصل إلى صوت واحد في بعض القرى والبلدات. أما بالنسب المئوية، فقد تراوحت نسب من صوتوا ضد لوائح الحزب بين 43% و14%.

وفي قضائي النبطية وبنت جبيل جنوب لبنان كذلك صوت 49% من الناخبين ضد لوائح حزب الله، كما كان الفارق بين آخر الفائزين وأول الخاسرين في بعض اللوائح ضئيلًا حتى وصل في بعضها إلى 5 أصوات فقط.

ورغم أنَّ الاستحقاق البلدي في لبنان غالبًا ما يأخذ طابعًا عائليًّا أو تنمويًّا، إلا أنَّه يُترجم سياسيًّا كتراجع لمفهوم “التكليف الشرعي” الذي يعد ركيزة في حملات حزب الله الانتخابية، كما ينبئ بإمكانية ظهور أسماء جديدة عن المقاعد الشيعية معارضة للحزب في الانتخابات النيابية عام 2026.

توطئة للصدع النيابي

لم ينتظم معارضو حزب الله الشيعة ضمن حزب أو تجمع سياسي بارز من قبل، ما يجعل من “لقاء اللبنانيين الشيعة” الذي عقد مؤتمره الأول في 1 يونيو ببيروت أولى الخطوات التنظيمية في هذا المسار. بدأ جاد الأخوي رئيس “ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين” المؤتمر بكلمة أعلن فيها عن إطلاق وثيقة “نحو 2030″، والتي ما زالت قيد الدراسة وتقوم على “مشروع وطني تشاركي لكسر احتكار التمثيل الذي جثم على صدر الطائفة الشيعية لعقود”.

اللافت هنا أنَّ الائتلاف الذي يرأسه الأخوي تأسس عام 2007 على يد لقمان سليم، السياسي الشيعي المعارض لحزب الله والذي عُثر عليه عام 2021 مقتولًا داخل سيارته في بلدة العدوسية في جنوب لبنان، واتُّهم الحزب حينها بالوقوف خلف اغتياله.

كلمة اللقاء ألقاها الناشط السياسي محمد علي الأمين، نجل الفقيه الشيعي السيد علي الأمين المعروف بمواقفه المعارضة لحزب الله أيضًا، ودعا فيها لنبذ “أي مشروع عابر للدولة اللبنانية” وهاجم سلاح الحزب ودعا لكسر احتكار التمثيل السياسي للشيعة.

يستعد “اللقاء” إذًا لانتخابات 2026 النيابية، معتمدًا على التغير الطارئ على المزاج الشعبي الشيعي والذي رسمت ملامحه الانتخابات البلدية. خلال كلمته، أشار جاد الأخوي إلى أنَّ حاضنة حزب الله الشعبية ليست على مستوى واحد من الأدلجة والولاء، ففيهم “المتشددون” حسب تعبيره الذين لا يمكن التواصل معهم، بينما هناك “شباب يساريون أكثر مرونة من الناحية الأيديولوجية ومنفتحون على الحوار”.

هل تقيد المعارضة تحركات حزب الله الميدانية؟

لطالما شكلت الديمغرافيا الشيعية في لبنان المجال الحيوي الآمن الذي يتحرك فيه حزب الله أمنيًّا وعسكريًّا، من الهرمل على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا إلى ضاحية بيروت الجنوبية مرورًا بطريق مطار بيروت نحو الجنوب ذي الأغلبية الشيعية.

في المقابل، تعرضت تحركات الحزب في مناطق مختلفة طائفيًّا لحوادث أمنية بارزة، كاعتراض أهالي بلدة شويا ذات الأكثرية الدرزية في الجنوب لراجمة صواريخ تابعة للحزب في أغسطس 2021، وتبادل إطلاق النار بين مؤيدين لحزب القوات اللبنانية وعناصر حزب الله عقب انقلاب شاحنة للحزب محملة بالسلاح في بلدة الكحالة ذات الأغلبية المسيحية قرب بيروت في أغسطس 2023. وخلال حرب الإسناد الأخيرة، منع أهالي بلدة رميش الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية أيضًا عناصر الحزب من إطلاق الصواريخ من داخل البلدة.

لكن ظهور معارضة للحزب من داخل المكون الشيعي نفسه ستكون له تداعياته الأمنية الخاصة، فمحمد علي الأمين دعا عقب حادثة رميش أهالي جنوب لبنان لمنع حزب الله من استخدام قراهم في عملياته العسكرية. وفيما لو وجد صوت الأمين آذانًا مصغية داخل الحاضنة الشيعية التي يخاطبها، فإنَّ تحركات الحزب العسكرية ستكون عرضة لضغوط شعبية جديدة تقيدها، بل وتزيد من انكشافها أمام عيون إسرائيل المتربصة. وإذا ما تكشفت حرب الإسناد الأخيرة عن خروقات أمنية عميقة داخل بنية حزب الله العقائدية الولائية، فإنَّ خروقات مماثلة ستكون أسهل في البيئة المعارضة.

ماذا بعد سقوط الردع الإيراني؟

فجر 13 يونيو 2025، شن الاحتلال الإسرائيلي سلسلة هجمات في عمق إيران طالت أبرز القادة العسكريين والأمنيين وعلماء الذرة الإيرانيين، فضلًا عن قواعد ومنشآت عسكرية ونووية في مختلف المحافظات الإيرانية.

يمثل نظام الولي الفقيه المرجعية الفقهية والسياسية لحزب الله وجمهوره والداعم الرئيسي له بالمال والسلاح والتدريب والخبرات، ما يجعل منه الخط الناظم لعقائد عناصر الحزب وآرائهم وسلوكياتهم. وسقوط الردع الإيراني أمام التفوق والمبادرة الإسرائيلية سيكون له أثره البالغ على بيئة حزب الله المناصرة ويعزز من موقف معارضيه، في مؤشر على تزايد حظوظ هذه المعارضة الناشئة شعبيًّا وسياسيًّا.

أمام حزب الله ملفات معقدة وتحديات متراكمة بدءًا من ملف سحب السلاح وليس انتهاءً بسقوط الردع الإيراني وربما تراجع الدعم، وبينما يُهرع العوام لتأييد المنتصر حال قوته فإنَّ انفضاضهم عنه حال انكساره أسرع. سيكون لهذه التصدعات المتسعة في الساحة الشيعية أثرها على المشهد اللبناني بأكمله، لكنها ستحمل في طياتها خيارات حادة للنمر الجريح ربما تلجئه إليها الأحداث المتسارعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى