سياسيمقالات

الحالة الدرزية بين سوريا ولبنان: بين الضمانة والتوظيف

“تحمل في سوريا وتضع في لبنان”، هكذا يتأثر الواقع اللبناني بكل حدث في سوريا سلبًا أم إيجابًا في ترجمة واقعية للارتباط العضوي بين الدولتين. فعلى وقع الاشتباكات التي شهدتها ضواحي العاصمة السورية دمشق، في جرمانا وأشرفية صحنايا، وصولًا إلى طريق درعا- دمشق، وصلت تداعيات الأزمة إلى لبنان بشكل سريع وغير مستغرب.

ففي 1 مايو، تعرض الشيخ حسين حمزة التابع لدار الفتوى اللبنانية ومعه زوجته الحامل وطفله الصغير لاعتداء بالضرب والشتم على يد خمسة شبان دروز أثناء مروره في بلدة الشبانية بجبل لبنان، في منطقة ذات أغلبية درزية، وسبق ذلك اعتداء مماثل تعرضت له عائلة سنية في مدينة عاليه بجبل لبنان أيضًا. وللمفارقة، فإن اعتداءات كهذه قلما تحدث بين السنة والدروز في لبنان، لكن المتغير الآن أن الدور الإعلامي السلبي الذي لعبه الوزير الدرزي السابق وئام وهاب تزامنًا مع أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا بسوريا مما أجج الاحتقان لدى مناصريه، فتُرجم ذلك في الشارع مباشرة.

بين المطالبة بالمحاسبة والسعي لتمرير الاعتداء

رغم خطورة الاعتداء على الشيخ حمزة وزوجته الحامل التي نزفت من شدة الضرب، وما يمثله الحادث من مس بالعمامة السنية الرسمية ودار الفتوى، سعت الدار ممثلة بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان لتجاوز الحادث، بل لم تصدر حتى بيانًا حول ما حصل. واتفق ذلك مع الموقف الأولي لتيار المستقبل وأمينه العام أحمد الحريري، الذي شدد في البداية على ضرورة تجاوز ما حصل منعًا للفتنة.

والحقيقة أن أحدًا من سنة لبنان لم ينادِ بالفتنة مع الدروز ولم يتناول الاعتداء من منطلق طائفي، حتى الشيخ المعتدى عليه طمأن متابعيه عبر صفحته على فيسبوك بلغة هادئة عاقلة دون التطرق لأي تحريض على ردة فعل في الشارع. ورغم ذلك، سعت دار الفتوى ومن ورائها تيار المستقبل للملمة الاعتداء وتسويته عبر الأجهزة الأمنية دون اللجوء للقضاء، وهو ما استبقه الشيخ حسين حمزة حيث ادعى على المعتدين عليه ما أسفر عن توقيف 2 من مناصري النائب الدرزي السابق طلال أرسلان فيما يمتنع وئام وهاب عن تسليم الثلاثة المتبقين.

تأثير موفق طريف بين دروز لبنان

من الظلم تصنيف طائفة معينة أيًا تكن وفق موقف سياسي محدد، فالانقسام حالة حقيقية تعيشها كل الطوائف في لبنان حتى الدروز، الذين ينقسمون بين مؤيد لوهاب وأرسلان- وهما من حلفاء حزب الله قبل معركة الإسناد لغزة الأخيرة والمؤيدين لنظام الأسد- ومؤيدين للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهم الأكثرية.

وحتى معركة طوفان الأقصى، لم تكن مواقف شيخ عقل الدروز في إسرائيل موفق طريف تجد رواجًا بين دروز لبنان كما هو الحال اليوم. فمنذ أن بدأ موقف حزب الله الميداني يتراجع، أظهر وئام وهاب تحولًا في موقفه من الحزب حيث انتقده بشدة في مقابل دفاع مستميت عن المقاتلين الدروز في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي والتصريحات الصادرة عن طريف. وتجلى هذا أكثر مع بدء أحداث أشرفية صحنايا وجرمانا، فقد هدد وهاب بتدخل الطيارين الدروز في جيش الاحتلال لدعم الميليشيات الدرزية في مواجهة قوات الإدارة السورية ولوح علنًا بخيار الانفصال. وفي مناسبات عدة، لم يخف وهاب قبوله لخيار السلام والتطبيع مع إسرائيل بذريعة أن المنطقة كلها تسير في هذا الاتجاه.

يترأس وهاب حزب التوحيد العربي، لكنه لا يحظى بشعبية كبيرة بين دروز لبنان كما أن تمثيله السياسي في البرلمان معدوم، في مقابل 6 نواب من أصل 9 دروز يتبعون للحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة جنبلاط. إلا أن نقلته النوعية مؤخرا وتصريحاته المتكررة في نفس السياق تشير إلى تمدد تأثير الشيخ موفق طريف إلى لبنان، رغم المعارضة الصريحة التي أبداها وليد جنبلاط لخيارات طريف في كل من فلسطين وسوريا ولبنان وإقراره مرارًا بأن تل أبيب “تستخدم الدروز وتريد أن تقاتل بهم ولا تبالي”.

“الحفاظ على الوجود”

جدير بالذكر أن الحالة الدرزية التي يمثلها اليوم وليد جنبلاط تعد إرث والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط، الذي شارك في الحرب الأهلية اللبنانية كقوة أساسية ذات ثقل إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل الحركة الوطنية، في مواجهة أحزاب اليمين المسيحي المتحالفة آنذاك مع إسرائيل. ولذا، صُنف دروز لبنان حينها بكونهم “جيش الاحتياط السني”، ولم يمثل الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة جنبلاط حزبًا طائفيًا درزيًا بل حزبًا وطنيًا عروبيًا، ما يعني أن الحالة الجنبلاطية تجاوزت القوقعة الطائفية ومثلت حالة متقدمة في الدور الدرزي في لبنان.

واليوم، يواصل وليد جنبلاط لعب دور إيجابي لتسكين دروز سوريا ولبنان وربطهم بالمحيط السني بعيدًا عن إسرائيل ودعوات موفق طريف وحكمت الهجري، ودعا في هذا الإطار بشكل صريح لـ “إسكات بعض الأصوات في الداخل التي بدأت تستنجد بإسرائيل”، في إشارة إلى وئام وهاب.

الثابت أن جنبلاط ووهاب كلاهما ينطلق من مبدأ “الحفاظ على وجود الدروز”، لكن الأول يدرك تمامًا أن التحالف مع إسرائيل يضع الدروز ضمن حلف الأقليات الهش أساسًا ويحملهم تبعات تاريخية تمس وجودهم على المدى الطويل، بينما لا يرى وهاب سوى ميزان القوى في اللحظة الراهنة معيارًا يراهن عليه.

رغم ذلك، فإن مسيرة جنبلاط السياسية مليئة بالمواقف المتناقضة والتحالفات المتبدلة من هذا المنطلق نفسه (الحفاظ على وجود الدروز)، لكنه يتسم بالحذر والحيطة اللذين يتيحان له المناورة السياسية اللازمة مع المتغيرات المحلية والإقليمية.

تفصيل مفصلي

رغم كون الاعتداء على عوائل سنية وشيخ معمم مجرد تفصيل في المشهد المحلي في لبنان، إلا أنه استجابة واضحة للتوترات التي شهدتها سوريا مؤخرا، كما أن مواقف وئام وهاب مرتبطة بشكل وثيق بمواقف موفق طريف وسياسة إسرائيل في تقسيم سوريا عبر دعم المشاريع الأقلوية (الكردية والدرزية والعلوية).

فالاشتباكات بين الميليشيات الدرزية وقوات الإدارة السورية جاءت بعد زيارة مشايخ دروز لفلسطين المحتلة وعودة الملف الكردي الى الواجهة إثر محاولة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الالتفاف على اتفاقها الأخير مع الحكومة في دمشق، كما تزامن ذلك مع بيان منسوب لرامي مخلوف يدعو فيه لاستنفار العلويين والمطالبة بحماية دولية، ودعوات متجددة باسم العلويين لإقامة كيان حكم ذاتي والانضمام لاتفاقيات أبراهام.

جاء هذا في ظل ما نُسب للإدارة السورية والرئيس أحمد الشرع حول الانفتاح على اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وفق ما فهمه مسؤولون أمريكيون دون أن يصدر تصريح رسمي من هذا القبيل عن الإدارة السورية، التي نفت على لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني ذلك. كما تواصل الطائرات الإسرائيلية شن غارات جوية تستهدف أصولًا عسكرية للإدارة السورية، والأهم من ذلك استهدافها محيط قصر الشعب في دمشق في رسالة واضحة للرئيس الشرع.

كل ذلك يُكشف حالة من الابتزاز الكبير تتعرض لها حكومة دمشق، ورغبة إسرائيلية في تعميم حالة الفوضى لتشمل لبنان وسوريا معًا بما يتيح لها هوامش أوسع للتأثير المباشر على المشهد الداخلي في البلدين.

منعًا لاستثمار الحالة الدرزية

على وقع تجييش الدروز، حل وليد جنبلاط في 2 مايو ضيفًا على قصر الشعب في دمشق والتقى الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ثم غادر دون الإدلاء بتصريح. وتعد هذه الزيارة الثانية لجنبلاط إلى دمشق منذ سقوط نظام الأسد، ما يشير إلى الدور الإيجابي الذي يمكن لجنبلاط أن يلعبه بين زعامته الدرزية العابرة لحدود لبنان وعلاقته الإيجابية بالإدارة السورية.

ويُرجى من تكثيف التنسيق مع الحالة الدرزية الرافضة لتوجه موفق طريف وحكمت الهاجري ووئام وهاب أن ينشئ حائط صد أمام محاولات التوظيف الإسرائيلية، مع إعطاء الضمانات الكفيلة بحفظ وجود الدروز في قراهم وبلداتهم على غرار التفاهم السابق مع دروز جبل السماق في ريف إدلب. كما أن العلاقة مع وجهاء قرى جبل السماق يمكن البناء عليها في هذا الاتجاه، وكل ذلك على المستوى اللا-دولتي.

ورغم الممارسات الطائفية التي يقدم عليها أنصار وئام وهاب في لبنان في ظل تصريحاته الأخيرة، إلا أن موقف جنبلاط حتى الآن يمثل ضمانة قوية تحد من إمكانية استجرار مجموع الساحة الدرزية في لبنان  لمواجهة مع المكون السني أو الدولة السورية. إلا أن هذه الضمانة وهذا الموقف معرضان للخرق فيما لو استمرت الأحداث الدموية في سوريا وصُوّر الأمر كما لو أنه استهداف طائفي للمكون الدرزي هناك، وهو التصور الذي تروج له إسرائيل بشدة للاستثمار فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى