الخذلان العربي لغزة: استمرار معضلة التحول البنيوي وسقوط الهويات الجامعة

برز التحول الإبراهيمي في الشرق الأوسط، نتيجة لمولدات عدة، حيث عانت المنطقة حالات فشل متسلسلة على مختلف المستويات، فانهارت جميع المشاريع الجامعة التي بدأت في إطار أممي، وانتهت في سياق أضيق على مستوى الدول ذات الأنظمة المتماثلة، ثم تلا ذلك فشل على مستوى الدول نفسها، وفشل جمهوريات الربيع العربي، وانتقال عدوى الحرب الأهلية منها إلى جمهوريات أخرى كالسودان.
ارتبط كل تحول بنيوي إقليمي بتباينات معيارية عكست أزمة الفكر في العالم العربي، فكان أبرز تحول معياري هو الانتقال من العداء العربي-الإسرائيلي إلى التعاطي مع هذا الملف وفق محددات برجماتية، ورسم التحالفات في المنطقة بما يمليه توازن التهديد، وجاءت حرب الخليج الثانية 1991 لتثبت ميزان تهديد عربي-عربي وتطبع لفكرة استدعاء الحليف الخارجي. ثم أعادت حرب الخليج الثالثة 2003 وتبعاتها تعيين التهديد -لدول الخليج العربي على وجه الخصوص- في تنامي النفوذ الإيراني، وتثبيت الحليف الخارجي باعتباره المنقذ المفوض.
وفي المقابل، تخلت الجماهير العربية عن حلم التغيير والوحدة الإقليمية -سواء على أساس الإسلام أو القومية العربية- وتباينت بين جموع بائسة مما آلت إليه ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجموع أخرى خائفة تحاول الحفاظ على وضعها وامتيازاتها الاقتصادية بأي شكل من الأشكال وبأي تنازلات قيمية تبقي على الماديات.