ما وراء توتر العلاقات الباكستانية الأفغانية؟
أثار إعلان باكستان في أكتوبر 2023 أنَّها ستطرد جميع المهاجرين غير المسجلين لديها مخاوف بين ما يقرب من مليوني مهاجر أفغاني غير مسجلين في البلاد، وحظي الإعلان برد فعل حاد من مسؤولي طالبان.
أصدرت الحكومة المؤقتة المعينة من قبل الجيش الباكستاني هذا القرار بحجة أنَّه ضروري لوقف النفوذ المتزايد للجماعات المسلحة المتمردة العاملة في المنطقة الحدودية، لكن الحكومة الأفغانية حذرت من أنَّه قد يؤدي إلى مزيد من إشعال الأوضاع.
بحلول أوائل يناير 2024، قالت وزارة الخارجية الباكستانية إنَّ 541 ألف أفغاني غادروا إلى أفغانستان مع استمرار حملة إسلام آباد لإعادة نحو 1.7 مليون مهاجر أفغاني غير نظامي إلى بلادهم، على الرغم من المخاوف الدولية بشأن سلامتهم وسبل إيوائهم عند عودتهم.
منذ إقالة عمران خان من منصبه في أبريل 2022، زاد تأثير الولايات المتحدة على صنع القرار في باكستان بشكل كبير. وكان التلاعب في انتخابات الثامن من فبراير 2024 سببًا في تقويض الشرعية التي يتمتع بها النظام الباكستاني، الذي يديره الجيش ووكلاؤه المدنيين الذين يعتمدون حاليًّا على واشنطن لتزويدهم بالشرعية التي يفتقرون إليها في الداخل.
تدرك طالبان جيدًا أنَّ هناك يدًا أمريكية كبيرة على النظام الحالي في باكستان. ويعمل كل من الجيش الباكستاني ووكلائه السياسيين على إعادة رسم علاقات باكستان مع أفغانستان، ويتطلعون إلى واشنطن للحصول على الشرعية. وإنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية تشكل عنصراً أساسيًّا في بقاء النظام الذي تسيطر عليه المؤسسة العسكرية في باكستان.
لقد احتفل العديد من الباكستانيين بعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي أعلن أنَّ الأفغان كسروا “أغلال العبودية”، كما أنَّ أغلب أفراد حركة طالبان الأفغانية من البشتون، فيما يشكل البشتون العرقيون نحو 18% من سكان باكستان، وأغلبهم يقيمون في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان اللذان ينتشر فيهما التمرد على طول الحدود التي يسهل اختراقها مع أفغانستان.
وقد ذكرت إذاعة صوت أمريكا أنَّ الجنرال عاصم منير قائد الجيش الباكستاني خلال زيارته لواشنطن في ديسمبر من العام الماضي طلب المساعدة الأمريكية ضد ما تزعم إسلام آباد أنَّها ملاذات إرهابية في أفغانستان المجاورة. وحاول الجنرال إقناع مسؤولي الأمن والجيش الأمريكيين أنَّ الجماعات المسلحة مثل حركة طالبان باكستان وفرع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان تشكل تهديدًا ليس فقط لباكستان، لكن أيضًا لأمن الولايات المتحدة والعالم.
ردًا على هجوم مميت على معسكر للجيش في شمال غرب باكستان تضمن انفجار سيارة مفخخة وإطلاق نار، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصًا وإصابة أكثر من 40 آخرين، وفقًا للسلطات الباكستانية،
نشر جان أتشاكزاي، القائم بأعمال وزير الإعلام في مقاطعة بلوشستان المضطربة في باكستان، تغريدات على موقع X اقترح فيها من بين تدابير أخرى، أن تطلب باكستان توفير قواعد طائرات أمريكية دون طيار لاستهداف ملاذات المسلحين في أفغانستان.
وفي 18 مارس 2024، نفذت طائرات سلاح الجو الباكستاني في الصباح الباكر غارات على مقاطعتي خوست وباكيتيكا الحدوديتين داخل أفغانستان، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل، بينهم خمس نساء وثلاثة أطفال. وأُبلغ عن تبادل لإطلاق النار على الحدود الباكستانية الأفغانية بعد الهجمات الجوية في ذات اليوم. وجاءت الغارات الجوية بعد مقتل سبعة جنود باكستانيين، بينهم ضابطان، في هجوم انتحاري على نقطة تفتيش أمنية في منطقة قبلية شمال وزيرستان على الحدود مع أفغانستان.
لقد وقعت أول غارة جوية باكستانية على أفغانستان في 16 أبريل 2022، بعد أسبوع واحد فقط من إقالة عمران خان من منصبه. وتزعم باكستان أنَّ المقاتلين المرتبطين بحركة “طالبان باكستان” والجماعات الداعمة لها لديهم ملاذات في أفغانستان. وقد تأسست حركة “طالبان الباكستانية” في عام 2007 كمجموعة تضم العديد من الجماعات المسلحة تسعى إلى فرض مفهومها للإسلام على البلاد.
أما طالبان الأفغانية فتتهم باكستان بالسماح للطائرات الأمريكية دون طيار باستخدام مجالها الجوي. وقد قال القائم بأعمال وزير الدفاع في حركة طالبان، ملا يعقوب، إنَّ باكستان سمحت للطائرات الأمريكية دون طيار باستخدام مجالها الجوي للوصول إلى أفغانستان، وهو ما نفته باكستان في أعقاب ضربة جوية أمريكية في كابول استهدفت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
خلال السنوات الأربع التي قضاها عمران خان في رئاسة الوزراء، لم يكن هناك سفير للولايات المتحدة في باكستان. وبعد أسابيع قليلة من الإطاحة بعمران خان، عينت الولايات المتحدة سفيرًا لها في إسلام آباد. وبرزت باكستان على الفور كشريك مفيد للولايات المتحدة وحلفائها في حرب أوكرانيا، حيث باعت سرًا أسلحة بملايين الدولارات للشركات الأمريكية لتوريدها إلى أوكرانيا، والآن تقرع طبول الحرب ضد أفغانستان. ولذا فإنَّ الجيش الباكستاني، الذي يسيطر بشكل كامل على صنع القرار في البلاد، يعيد ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان.
يبدو أنَّ حرب الولايات المتحدة على الإرهاب -المزعوم- تعود إلى منطقة أفغانستان وباكستان بنفس الصيغة القديمة التي بدأت مع الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001. ولقد عيَّن الجيش آصف علي زرداري رئيسًا لباكستان مع اشتهاره بأنَّه مقرب من واشنطن. وفي ولايته الرئاسية السابقة من عام 2008 إلى عام 2013، كانت البلاد وكرًا لوكالة المخابرات المركزية. إنَّ زرداري، الذي يشغل منصبًا رئاسيًّا رمزيًّا وفقًا للدستور الباكستاني، يتحدث وكأنه رئيس وزراء ووزير دفاع يمضي قدمًا بأجندة بناء سردية تعاون الجيشين الأمريكي والباكستاني.
يستعد الجيش الباكستاني بدعم من الولايات المتحدة لمواجهة على عتبة الحرب مع أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان. لكن السؤال هو لماذا يفعل الجيش هذا؟
محليًّا، يحاول الجيش الباكستاني تأجيج المشاعر القومية في البلاد، وهي مشاعر مناهضة للباشتون في بعض أجزاء باكستان.، وذلك لاستعادة بعض الشرعية المفقودة
كما يستخدم الجيش الضربات الجوية ضد أفغانستان لتغيير صورة المشهد السياسي معتقدًا أنَّ ذلك سيساعده في السيطرة على الاحتجاجات ضد التلاعب بنتيجة الانتخابات، بما فيها حراك حزب حركة الإنصاف بزعامة عمران خان. وبالإضافة إلى ذلك، فالجيش يصور حزب حركة الإنصاف الذي يحظى بدعم كبير بين السكان البشتون على أنَّه مناهض للوطن وعدو للجيش الباكستاني.
إنَّ الجيش الباكستاني الذي عمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في الماضي أصبح الآن قريبًا من الولايات المتحدة مرة أخرى. ويلعب الفساد دورًا رئيسيًّا في عملية صنع القرار لدى الجنرالات الباكستانيين. ويتطلع الجيش الباكستاني إلى الحصول على صفقات مباشرة مربحة من الولايات المتحدة.
خلال عهود الحكومات المدنية السابقة، اعتادت باكستان أن يكون لديها نظام هجين حيث لعب الجيش دورًا كبيرًا، لكن المسؤولين المدنيين لديهم أيضًا بعض الكلمة. وعلى الرغم من تشكيل حكومة مدنية بعد انتخابات 8 فبراير الماضي، فإنَّ الجيش هذه المرة شكَّل الائتلاف الحاكم في الانتخابات الأكثر تزويرًا بشكل صارخ في تاريخ باكستان. إنَّ جنرالات الجيش حاليًّا هم وحدهم من يتخذون القرارات. وحقيقة الأمر أنَّ حركة طالبان لا تثق بالجيش الباكستاني؛ وهي تتذكر كيف تخلى عنها الجيش الباكستاني بعد 11 سبتمبر وتحالف مع الولايات المتحدة في شن الحرب ضدها.
ويكفي أن نقول إنَّه، على النقيض من حكومة طالبان الأولى في التسعينيات، التي اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على باكستان من أجل البقاء، فإنَّ حكومة طالبان الجديدة اليوم لديها العديد من الأوراق في يدها ضد باكستان. فعلاقاتها مع الصين وروسيا وإيران والهند وغيرها من جمهوريات آسيا الوسطى تمنحها النفوذ لتحدي التهديدات العسكرية والحصار الاقتصادي من باكستان. ولذا فإنَّ فرص جنرالات الجيش الباكستاني، بدعم من الولايات المتحدة، في إخضاع حكومة طالبان في أفغانستان ضئيلة للغاية، بينما وجود حكومة شرعية منتخبة في باكستان هو وحده القادر على حل القضايا العالقة مع طالبان.