تحليلات

فك رموز الهجوم الإيراني على باكستان

في 16 يناير 2024، هاجم الحرس الثوري الإيراني مواقع في عمق مقاطعة بلوشستان الباكستانية بطائرات دون طيار وصواريخ، وادعى أنَّها مخابئ لإرهابيين مسلحين. وردت باكستان بشن غارات جوية في عمق إيران بعد يومين، كما اعتقلت الأجهزة الأمنية الباكستانية مسلحًا على صلة بجماعة زينبيون المدعومة من إيران، واتهمته بالتجسس لصالح إيران. والسؤال المطروح هو ما الرسالة التي أرادت إيران إيصالها من خلال مهاجمة دولة نووية مثل باكستان أو المخاطرة بالتعرض لضربة انتقامية باكستانية.

في 29 يناير، زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إسلام آباد لإصلاح العلاقات المتضررة مع باكستان بعد أن تبادلت الجارتان ضربات جوية على قواعد إرهابية مزعومة في كلا البلدين. وعلى الرغم من أنَّ كلًا من طهران وإسلام آباد قد اتفقتا فعلًا على تهدئة التوترات وإعادة سفير كل منهما للأخرى في 22 يناير.

من المثير للاهتمام أنَّ إيران كانت أول دولة تعترف بباكستان في يوم استقلالها عن الهند البريطانية في 14 أغسطس 1947، وظلت العلاقات استراتيجية بين البلدين حتى سقوط الشاه في عام 1979. وقد كانت إيران في عهد الشاه أحد أقرب حلفاء باكستان.

 تتمتع باكستان بتاريخ حديث ومعقد من العلاقات منذ ظهور نظام الملالي في “جمهورية إيران الإسلامية”. فالبلدان الجاران يشتركان في حدود طويلة، ولديهما الكثير من أوجه التشابه الثقافية واللغوية والدينية. وعلى الرغم من أوجه التشابه هذه، فقد تميزت علاقاتهما بالعديد من منحنيات الصعود والهبوط على مر السنين.

العمليات العلنية والسرية التي تقوم بها إيران داخل باكستان

لقد غضت الحكومات الباكستانية الطرف سابقًا عن أنشطة الحرس الثوري حتى لا تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الثنائية مع إيران، لكن هذه المرة قررت المؤسسة العسكرية الباكستانية الرد بهجوم مماثل. وقد قدّر صناع السياسة الإيرانيون أنَّ باكستان القوية عسكريًّا والضعيفة استراتيجيًّا ليست في وضع يسمح لها بالرد بما يتجاوز الانتقام المدروس.

فقد كان أحمد ذو الأنوار زعيمًا سياسيًّا في محافظة سيستان وبلوشستان، لكنه فر من إيران إلى باكستان بسبب الوضع السياسي، وتعرض للضرب حتى الموت في كراتشي في 5 سبتمبر 1982. وكان فرامارز آغاي وعلي رضا بورشفيع زاده عضوين في منظمة مجاهدي خلق، وعاشا في باكستان كلاجئين سياسيين. وقُتلا في نفس اليوم في هجومين شبه متزامنين في مدينتي كويتا وكراتشي. ألقي القبض على تسعة أشخاص في أعقاب الهجومين، وقال مسؤولون باكستانيون إنَّ الموقوفين أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، لكن لم يُكشف عن هوياتهم مطلقًا، وأطلق سراحهم جميعًا لاحقًا.

في 22 يونيو 2017، زعمت وزارة الخارجية الباكستانية أنَّ القوات الجوية الباكستانية أسقطت طائرة إيرانية دون طيار خلال تحليقها في منطقة بنجغور في إقليم بلوشستان. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تُسقط فيها طائرة إيرانية دون طيار على يد الجيش الباكستاني. وفي فبراير 2021، دخلت قوات الأمن الإيرانية الأراضي الباكستانية لإنقاذ اثنين من عملاء المخابرات الإيرانية قالت طهران إنَّ المسلحين البلوش أسَراهما.

إنَّ الحرس الثوري هو قوة النخبة المسلحة في إيران، ويقدم تقاريره مباشرة إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي، ومكلف بحماية النظام الإيراني. وهو منفصل عن القوة العسكرية التقليدية لإيران، التي تديرها وزارة الدفاع. وبالإضافة إلى فروعه البرية والبحرية والجوية، يتكون الحرس الثوري أيضًا من عناصر أخرى بما في ذلك الباسيج، وهي ميليشيا للأمن الداخلي داخلية، وفيلق القدس المختص بالعمليات الخارجية.

في الوقت الذي ينشغل فيه الجيش الباكستاني بالقضاء على الحزب السياسي الأكثر شعبية، حزب “تحريك الإنصاف”، ومؤسسه ورئيس الوزراء السابق عمران خان، وبالانخراط في مناورات سياسية لإطالة أمد حكمه للبلاد عبر وكلاء. وجدت إيران أنَّ الوقت مناسب لتنفيذ مغامرتها والاستفادة من الوضع الداخلي في باكستان.

نقاط الضعف الباكستانية

إنَّ النهج الذي تبعته باكستان لإعادة العلاقات الدبلوماسية سريعًا مع إيران بعد الضربات الجوية الانتقامية على الأراضي الإيرانية ينبع من ضعفها الاستراتيجي على الرغم من امتلاكها لقدرات عسكرية نوعية مقارنة بإيران. وحتى في القوة العسكرية التقليدية، فإنَّ إيران الخاضعة للعقوبات لا تضاهي القوات العسكرية الباكستانية التي تخوض حروبًا ومناوشات جوية وبحرية وبرية واسعة النطاق مع الهند، التي تعد رابع أكبر قوة عسكرية في العالم.

إنَّ نقطة الضعف التي تعانيها باكستان لا تكمن في خوض حرب تقليدية مع إيران فحسب، بل بالدرجة الأولى في إدارة نسيجها الاجتماعي الداخلي، حيث تتمتع إيران بنفوذ هائل على الأقلية الشيعية في باكستان. لقد كانت الأقلية الشيعية دائمًا صاحبة نفوذ في حكم باكستان، سواء كان ذلك في الجيش أم السياسة أم القضاء أم مؤسسات الدولة الأخرى.

وعلى النقيض من باكستان، التي لا تتمتع بنفوذ يذكر على أي مكون من المجتمع الإيراني، فإنَّ السكان السُنَّة في إيران مهمشون وليس لهم أي دور داخل مؤسسات الدولة في إيران. وهذا يزيد من صعوبة إبقاء باكستان على التوترات مع إيران.

إنَّ دين الدولة في باكستان هو الإسلام، وعلى عكس إيران التي لديها نسختها الخاصة من الإسلام، وهي المذهب الاثنا عشرية، كدين الدولة. فباكستان تتسم بالتنوع، خاصة بين المسلمين، وأغلبهم من السنة، مع أقلية شيعية تتمتع بحقوق متساوية.

في سوريا والعراق، واللتان تعتبر حكوماتهما المركزية وكيلة لإيران، لم تكن هناك هجمات انتقامية منتظرة من بغداد ودمشق. لكن باكستان المسلحة نوويًّا لم يكن أمامها خَيار سوى الرد على الانتهاكات الإيرانية لمجالها الجوي.

نقطة الخلاف

هناك عدة أسباب للتوترات في العلاقات الباكستانية الإيرانية. وترجع جذور هذه التوترات إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الاختلافات الأيديولوجية، والمنافسات الإقليمية، والمصالح المتنافسة، والمخاوف الأمنية، خاصة في منطقة بلوشستان المقسمة، التي كانت مصدرًا للخلاف بين البلدين.

تتهم إيران باكستان بدعم الانفصاليين البلوش الذين ينشطون في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية، في حين تتهم باكستان إيران بغض الطرف عن الأنشطة المسلحة التي يقوم بها الانفصاليون البلوش داخل إيران. وقد أدت هذه الاتهامات إلى توتر العلاقات الثنائية وأدت إلى احتكاكات حدودية. ومن المثير للاهتمام أنَّ الجماعات الانفصالية البلوشية في باكستان علمانية ذات بُعد قِبَلي. بينما الانفصاليون البلوش الإيرانيون مسلمون سُنّة تحركهم دوافع دينية.

خاتمة

لكن سؤال المليون دولار يطرح هنا: لماذا هاجمت إيران باكستان وماذا حققت بعد الانتقام الباكستاني؟ فحتى لو سعى القصف إلى نقل رسالة للحلفاء العرب للولايات المتحدة مفادها أنَّه إذا كان من الممكن طهران مهاجمة باكستان، فمن الأسهل استهدافهم، فإنَّ الضربات الانتقامية التي شنتها باكستان قضت على الدعاية الإيرانية الساعية لترسيخ القوة.

إنَّ النظام الإيراني يعاني معضلة، فهو لا يحظى بشعبية في الداخل، لكنه يتمتع بشعبية كبيرة بين مؤيديه خارج إيران. لذا فإنَّ هذا الهجوم على باكستان له علاقة بالجماهير في الداخل أكثر من ارتباطه بنقل رسائل إلى خصومه الإقليميين. لقد أدت سلسلة من الهجمات المتتالية على الأهداف الإيرانية في سوريا والعراق إلى إضعاف دعاية النظام بأنَّه يحكم دولة قوية. كما قُتل العديد من المسؤولين داخل إيران وخارجها في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق، والعميد رضي موسوي في سوريا، ومحسن فخري زاده كبير خبراء البرنامج النووي الإيراني في داخل إيران نفسها.

ومع الهجوم الانتقامي الذي شنته باكستان، تحطمت الدعاية الإيرانية التي تزعم أنَّ إيران لا تقهر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها دولة علنًا الأراضي الإيرانية منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988 مع مراعاة أنَّ إسرائيل نفذت العديد من العمليات السرية داخل إيران. ويبقى أن نرى ما إذا كانت إيران ستستفيد من هذا الهجوم في بعض الملفات، أم أنَّه سيوحد اللاعبين الإقليميين الآخرين ضد إيران باعتبارها قوة إقليمية لا يمكن التنبؤ بسلوكها أو الوثوق بها.

Mohammad Pervez Bilgrami

political analyst and consultant. Middle East geopolitics expert

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى